responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 67
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ فَصِيحَةً. وَالتَّقْدِيرُ: فَإِذَا عَلِمْتَ مَا كَانَ مِنَ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ وَعَلِمْتَ كَيْفَ انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَانْتَصَرْنَا بِرُسُلِنَا فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرُوا.
وَأولُوا الْعَزْمِ: أَصْحَابُ الْعَزْمِ، أَيِ الْمُتَّصِفُونَ بِهِ. وَالْعَزْمُ: نِيَّةٌ مُحَقَّقَةٌ عَلَى عَمَلٍ أَوْ قَوْلٍ دُونَ تَرَدُّدٍ. قَالَ تَعَالَى: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمرَان: 159] وَقَالَ: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ [الْبَقَرَة: 235] . وَقَالَ سَعْدُ بْنُ نَاشِبٍ مِنْ شُعَرَاءِ الْحَمَاسَةِ يَعْنِي نَفْسَهُ:
إِذَا هَمَّ أَلْقَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ عَزْمَهُ ... وَنَكَّبَ عَنْ ذِكْرِ الْعَوَاقِبِ جَانِبًا
وَالْعَزْمُ الْمَحْمُودُ فِي الدِّينِ: الْعَزْمُ عَلَى مَا فِيهِ تَزْكِيَةُ النَّفْسِ وَصَلَاحُ الْأُمَّةِ، وَقِوَامُهُ الصَّبْرُ على الْمَكْرُوه وباعث التَّقْوَى، وَقُوَّتُهُ شِدَّةُ الْمُرَاقَبَةِ بِأَنْ لَا يَتَهَاوَنَ الْمُؤْمِنُ عَنْ مُحَاسَبَتِهِ نَفْسَهُ قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمرَان: 186] وَقَالَ: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه: 115] . وَهَذَا قَبْلَ هُبُوطِ آدَمَ إِلَى عَالَمِ التَّكْلِيفِ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ مِنَ فِي قَوْلِهِ: مِنَ الرُّسُلِ تَبْعِيضِيَّةً. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ الرُّسُلِ أُولُو عَزْمٍ، وَعَلَيْهِ تَكُونُ مِنَ بَيَانِيَّةً.
وَهَذِهِ الْآيَةُ اقْتَضَتْ أَن مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ لِأَنَّ تَشْبِيهَ الصَّبْرِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ بِصَبْرِ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِثْلُهُمْ لِأَنَّهُ ممتثل أَمر رَبِّهِ، فَصَبْرُهُ مَثِيلٌ لِصَبْرِهِمْ، وَمَنْ صَبَرَ صَبْرَهُمْ كَانَ مِنْهُمْ لَا مَحَالَةَ.
وَأَعْقَبَ أَمْرَهُ بِالصَّبْرِ بِنَهْيِهِ عَنْ الِاسْتِعْجَالِ لِلْمُشْرِكِينَ، أَيْ الِاسْتِعْجَالِ لَهُمْ بِالْعَذَابِ، أَيْ لَا تَطْلُبْ مِنَّا تَعْجِيلَهُ لَهُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِعْجَالَ يُنَافِي الْعَزْمَ وَلِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْعَذَابِ تَطْوِيلًا لِمُدَّةِ صَبر الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَسْبِ عَزْمِهِ قُوَّةً.
وَمَفْعُولُ تَسْتَعْجِلْ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ، تَقْدِيرُهُ: الْعَذَابُ أَوِ الْهَلَاكُ. وَاللَّامُ فِي لَهُمْ لَامُ تَعْدِيَةِ فِعْلِ الِاسْتِعْجَالِ إِلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، أَيْ لَا تَسْتَعْجِلْ لِأَجْلِهِمْ، وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ إِذِ التَّقْدِيرُ: لَا تَسْتَعْجِلْ لِهَلَاكِهِمْ. وَجُمْلَةُ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 67
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست