responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 349
وَفِي جَعْلِهِمُ الْحَقَّ فِي أَمْوَالِهِمْ لِلسَّائِلِينَ نَفْعٌ ظَاهِرٌ لِلْمُحْتَاجِ الْمُظْهِرِ لِحَاجَتِهِ. وَفِي جَعْلِهِمُ الْحَقَّ لِلْمَحْرُومِ نَفْعُ الْمُحْتَاجِ الْمُتَعَفِّفِ عَنْ إِظْهَارِ حَاجَتِهِ الصَّابِرِ عَلَى شِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ.
وَحَرْفُ مَا فِي قَوْلِهِ: قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ مَزِيدٌ لِلتَّأْكِيدِ. وَشَاعَتْ زِيَادَةُ مَا بَعْدَ اسْمِ (قَلِيلٍ) وَ (كَثِيرٍ) وَبَعْدَ فِعْلِ (قَلَّ) وَ (كَثُرَ) وَ (طَالَ) .
وَالْمَعْنَى: كَانُوا يَهْجَعُونَ قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ. وَلَيْسَتْ مَا نَافِيَةً.
وَالْهُجُوعُ: النَّوْمُ الْخَفِيفُ وَهُوَ الْغِرَارُ.
وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْجَعُونَ قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ وَذَلِكَ اقْتِدَاءٌ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيئَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [المزمل: 2- 4] وَقَدْ كَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُمْ بِذَلِكَ كَمَا
فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَهُ: لَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَا تَفْعَلْ إِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ نَفِهَتِ النَّفْسُ وَهَجَمَتِ الْعَيْنُ. وَقَالَ لَهُ: قُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا»
. وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى خَصَائِصَ مِنَ الْبَلَاغَةِ:
أُولَاهَا: فِعْلُ الْكَوْنِ فِي قَوْلِهِ: كانُوا الدَّالُّ عَلَى أَنَّ خَبَرَهَا سُنَّةٌ مُتَقَرِّرَةٌ.
الثَّانِي: الْعُدُولُ عَنْ أَنْ يُقَالَ: كَانُوا يُقِيمُونَ اللَّيْلَ، أَوْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، إِلَى قَوْلِهِ: قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ الْهُجُوعِ تَذْكِيرًا بِالْحَالَةِ الَّتِي تَمِيلُ إِلَيْهَا النُّفُوسُ فَتَغْلِبُهَا وَتَصْرِفُهَا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ [السَّجْدَة: 16] ، فَكَانَ فِي الْآيَةِ إِطْنَابٌ اقْتَضَاهُ تَصْوِيرُ تِلْكَ الْحَالَةِ، وَالْبَلِيغُ قَدْ يُورِدُ فِي كَلَامِهِ مَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ اسْتِفَادَةُ الْمَعْنَى إِذَا كَانَ يَرْمِي بِذَلِكَ إِلَى تَحْصِيلِ صُوَرِ الْأَلْفَاظِ الْمَزِيدَةِ.
الثَّالِثُ: التَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ: مِنَ اللَّيْلِ لِلتَّذْكِيرِ بِأَنَّهُمْ تَرَكُوا النَّوْمَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ اسْتِدْعَاءُ النُّفُوسِ لِلنَّوْمِ فِيهِ زِيَادَةً فِي تَصْوِيرِ جَلَالِ قِيَامِهِمُ اللَّيْلَ وَإِلَّا فَإِنَّ قَوْلَهُ: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ يُفِيدُ أَنَّهُ مِنَ اللَّيْلِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 349
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست