responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 32
وَمِنْ جُمْلَةِ نِعَمِهِ عَلَى وَالِدَيْهِ أَنْ سَخَّرَ لَهُمَا هَذَا الْوَلَدَ لِيُحْسِنَ إِلَيْهِمَا، فَهَاتَانِ النِّعْمَتَانِ أَوَّلُ مَا يَتَبَادَرُ عَنْ عُمُومِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ لِأَنَّ الْمَقَامَ لِلْحَدِيثِ عَنْهُمَا.
وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْفِعْلَ الْمُؤَقَّتَ بِبُلُوغِ الْأَشُدِّ وَهُوَ فِعْلُ قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي مِنْ جُمْلَةِ مَا وُصِّيَ بِهِ الْإِنْسَانُ، أَيْ أَنْ يُحْسِنَ إِلَى وَالِدَيْهِ فِي وَقْتِ بُلُوغِهِ الْأَشُدَّ. فَالْمَعْنَى:
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ حُسْنًا بِوَالِدَيْهِ حَتَّى فِي زَمَنِ بُلُوغِهِ الْأَشُدَّ، أَيْ أَنْ لَا يَفْتُرَ عَنِ الْإِحْسَانِ
إِلَيْهِمَا بِكُلِّ وَجْهٍ حَتَّى بِالدُّعَاءِ لَهُمَا. وَإِنَّمَا خَصَّ زَمَانَ بُلُوغِهِ الْأَشُدَّ لِأَنَّهُ زَمَنٌ يكثر فِيهِ الكلف بِالسَّعْيِ لِلرِّزْقِ إِذْ يَكُونُ لَهُ فِيهِ زَوْجَةٌ وَأَبْنَاءٌ وَتَكْثُرُ تَكَالِيفُ الْمَرْأَةِ فَيَكُونُ لَهَا فِيهِ زَوْجٌ وَبَيَّتٌ وَأَبْنَاءٌ فَيَكُونَانِ مَظِنَّةَ أَنْ تَشْغَلَهَمَا التَّكَالِيفُ عَنْ تَعَهُّدِ وَالِدَيْهِمَا وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا فَنُبِّهَا بِأَنْ لَا يَفْتُرَا عَنِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ.
وَمَعْنَى قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنَّهُ دَعَا رَبَّهُ بِذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِمَا بِأَنَّهُ لَا يَشْغَلُهُ الدُّعَاءُ لِنَفْسِهِ عَنِ الدُّعَاءِ لَهُمَا وَبِأَنَّهُ يُحْسِنُ إِلَيْهِمَا بِظَهْرِ الْغَيْبِ مِنْهُمَا حِينَ مُنَاجَاتِهِ رَبَّهُ، فَلَا جَرَمَ أَنَّ إِحْسَانَهُ إِلَيْهِمَا فِي الْمُوَاجَهَةِ حَاصِلٌ بِفَحْوَى الْخِطَابِ كَمَا فِي طَرِيقَةِ الْفَحْوَى فِي النَّهْيِ عَنْ أَذَاهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ [الْإِسْرَاء: 23] .
وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ فِي الْمُشَاهَدَةِ وَالْغَيْبَةِ وَبِجَمِيعِ وَسَائِلِ الْإِحْسَانِ الَّذِي غَايَتُهُ حُصُولُ النَّفْعِ لَهُمَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً
[الْإِسْرَاء: 24] وَأَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَمَرَ بِالدُّعَاءِ لِلْأَبَوَيْنِ وَعَدَ بِإِجَابَتِهِ عَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِقَوْلِهِ: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ بَثَّهُ فِي صُدُورِ الرِّجَالِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ بِخَيْرٍ»
. وَمَا شُكْرُ الْوَلَدِ رَبَّهُ عَلَى النِّعْمَةِ الَّتِي أَنْعَمَهَا اللَّهُ عَلَى وَالِدَيْهِ إِلَّا مِنْ بَابِ نِيَابَتِهِ عَنْهُمَا فِي هَذَا الشُّكْرِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَمَلِ الَّذِي يُؤَدِّيهِ الْوَلَدُ عَنْ وَالِدَيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْخَثْعَمِيَّةَ قَالَتْ لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ «إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 32
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست