responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 261
وَلَمَّا كَانَتِ السُّخْرِيَةُ وَاللَّمْزُ وَالتَّنَابُزُ مِمَّا يُحْمَلُ عَلَيْهِ التَّنَافُسُ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَالْقَبَائِلِ جَمَعَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي هَذِهِ الْمَوْعِظَةِ الْحَكِيمَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى النِّدَاءِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ عَمَدُوا إِلَى هَذَا التَّشْعِيبِ الَّذِي وَضَعَتْهُ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ فَاسْتَعْمَلُوهُ فِي فَاسِدِ لَوَازِمِهِ وَأَهْمَلُوا صَالِحَ مَا جُعِلَ لَهُ بِقَوْلِهِ:
لِتَعارَفُوا ثُمَّ وَأَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ أَيْ فَإِنْ تَنَافَسْتُمْ فَتَنَافَسُوا فِي التَّقْوَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ [المطففين: 26] .
وَالْخَبَرُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً عَنِ الْمُسَاوَاةِ فِي أَصْلِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ لِيُتَوَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى إِرَادَةِ اكْتِسَابِ الْفَضَائِلِ وَالْمَزَايَا الَّتِي تَرْفَعُ بَعْضَ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ كِنَايَةً بِمَرْتَبَتَيْنِ. وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مَضْمُونُ جُمْلَةِ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ فَتِلْكَ الْجُمْلَةُ تَتَنَزَّلُ مِنْ جُمْلَةِ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى مَنْزِلَةَ الْمَقْصِدِ مِنَ الْمُقَدِّمَةِ وَالنَّتِيجَةِ مِنَ الْقِيَاسِ وَلِذَلِكَ فُصِّلَتْ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيَانِ.
وَأَمَّا جُمْلَةُ وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا فَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنِ اعْتِرَاضِهَا: إِدْمَاجُ تَأْدِيبٍ آخَرَ مِنْ وَاجِبِ بَثِّ التَّعَارُفِ وَالتَّوَاصُلِ بَيْنَ الْقَبَائِلِ وَالْأُمَمِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُرَادُ اللَّهِ مِنْهُمْ.
وَمِنْ مَعْنَى الْآيَةِ مَا
خَطَبَ بِهِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِذْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ إِلَّا بِالتَّقْوَى»
. وَمِنْ نَمَطِ نَظْمِ الْآيَةِ وَتَبْيِينِهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَة
قَول النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا لَا لِآبَاءِ النَّاسِ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ أَوْ فَاجِرٍ شَقِيٍّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ»
. وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا خَطَبَ بِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ (عُبِّيَّةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِكَسْرِهَا وَبِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ ثُمَّ تَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ: الْكِبْرُ وَالْفَخْرُ.
وَوَزْنُهُمَا عَلَى لُغَةِ ضَمِّ الْفَاءِ فُعْوِلَّةٌ وَعَلَى لُغَةِ كَسْرِ الْفَاءِ فِعْلِيَّةٌ، وَهِيَ إِمَّا مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّعْبِيَةِ فَتَضْعِيفُ الْبَاءِ لِمُجَرَّدِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 261
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست