responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 225
حُجْرَتِهِ، نَادَوْا جَمِيعًا وَرَاءَ الْحُجُرَاتِ: يَا مُحَمَّدُ اخْرُجْ إِلَيْنَا ثَلَاثًا، فَإِنَّ مَدْحَنَا زَيْنٌ، وَإِنَّ ذَمَّنَا شَيْنٌ، نَحْنُ أَكْرَمُ الْعَرَبِ سَلَكُوا فِي عَمَلِهِمْ هَذَا مَسْلَكَ وُفُودِ الْعَرَبِ عَلَى الْمُلُوكِ وَالسَّادَةِ، كَانُوا يَأْتُونَ بَيْتَ الْمَلِكِ أَوِ السَّيِّدِ فَيَطِيفُونَ بِهِ يُنَادُونَ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ كَمَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ وُرُودِ النَّابِغَةِ عَلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ الْغَسَّانِيِّ.
وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ مَدْحَنَا زَيْنٌ، طَرِيقَةٌ كَانُوا يَسْتَدِرُّونَ بِهَا الْعُظَمَاءَ لِلْعَطَاءِ فَإِضَافَةُ: مَدْحِنَا وَذَمِّنَا إِلَى الضَّمِيرِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى فَاعِلِهِ. فَلَمَّا خَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا: جئْنَاك نفاخرك فاذن لِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا إِلَى آخَرِ الْقِصَّةِ. وَقَوْلُهُمْ: نُفَاخِرُكَ، جَرَوْا فِيهِ عَلَى عَادَةِ الْوُفُودِ مِنَ الْعَرَبِ أَنْ يَذْكُرُوا مَفَاخِرَهُمْ وَأَيَّامَهُمْ، وَيَذْكُرَ الْمَوْفُودُ عَلَيْهِمْ مَفَاخِرَهُمْ، وَذَلِكَ مَعْنَى صِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: نُفَاخِرُكَ، وَكَانَ جُمْهُورُهُمْ لَمْ يَزَالُوا كُفَّارًا حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا أَسْلَمُوا بَعْدَ أَنْ تَفَاخَرُوا وَتَنَاشَدُوا الْأَشْعَارَ.
فَالْمُرَادُ بِ الَّذِينَ يُنادُونَكَ رِجَالُ هَذَا الْوَفْدِ. وَإِسْنَادُ فِعْلِ النِّدَاءِ إِلَى ضَمِيرِ الَّذِينَ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ نَادَوْهُ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ الَّذِي نَادَى النِّدَاءَ هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعَلَيْهِ فَإِسْنَادُ فِعْلِ يُنادُونَكَ إِلَى ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ عَنْ نِسْبَةِ فِعْلِ الْمَتْبُوعِ إِلَى أَتْبَاعِهِ إِذْ كَانَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ مُقَدَّمَ الْوَفْدِ، كَمَا يُقَالُ: بَنُو فُلَانٍ قَتَلُوا فُلَانًا. وَإِنَّمَا قَتَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً [الْبَقَرَة: 72] .
وَنَفِيُ الْعَقْلِ عَنْهُمْ مُرَادٌ بِهِ عَقْلُ التَّأَدُّبِ الْوَاجِبِ فِي مُعَاملَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَقَلُ التَّأَدُّبِ الْمَفْعُولِ عَنْهُ فِي عَادَتِهِمُ الَّتِي اعْتَادُوهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْجَفَاءِ وَالْغِلْظَةِ وَالْعُنْجُهِيَّةِ، وَلَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمٌ وَلَا تَرَتُّبُ ذَنْبٍ. وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يناد النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ نِدَائِهِمْ، وَلَعَلَّ الْمَقْصُودَ اسْتِثْنَاءُ اللَّذَيْنِ كَانَا أَسْلَمَا مِنْ قَبْلُ. فَهَذِهِ الْآيَةُ تَأْدِيبٌ لَهُمْ وَإِخْرَاجٌ لَهُمْ مِنْ مَذَامِّ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَالْوَرَاءُ: الْخَلْفُ، وَهُوَ جِهَةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ بِحَسَبِ مَوْقِعِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 225
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست