responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 146
مَأْجُورِينَ، فَهَذَا أَعْظَمُ الْفَتْحِ أَنَسِيتُمْ يَوْمَ أُحُدٍ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ، أَنَسِيتُمْ يَوْمَ الْأَحْزَاب إِذْ جاؤوكم مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ. فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ:
صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَهُوَ أَعْظَمُ الْفُتُوحِ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَكَّرْنَا فِيمَا ذَكَرْتَ، وَلَأَنْتَ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَبِالْأُمُورِ مِنَّا»
. وَحُذِفَ مَفْعُولُ فَتَحْنا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِعْلَامُ بِجِنْسِ الْفَتْحِ لَا بِالْمَفْتُوحِ الْخَاصِّ.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: فَتَحْنا لَكَ لَامُ الْعِلَّةِ، أَيْ فَتَحْنَا لِأَجْلِكَ فَتْحًا عَظِيمًا مِثْلَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشَّرْح: 1] .
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ قَبْلَ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ خِلَافًا لِلْأَصْلِ فِي تَرْتِيبِ مُتَعَلِّقَاتِ الْفِعْلِ لِقَصْدِ الِاهْتِمَامِ وَالِاعْتِنَاءِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ.
وَقَوْلُهُ: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ ضَمِيرِ لَكَ. وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّا فَتَحْنَا فَتْحًا مُبِينًا لِأَجْلِكَ لِغُفْرَانِ اللَّهِ لَكَ وَإِتْمَامِ نِعْمَتِهِ عَلَيْكَ، وَهِدَايَتِكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَنَصْرِكَ نَصْرًا عَزِيزًا ... وَجُعِلَتْ مَغْفِرَةُ الله للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلَّةً لِلْفَتْحِ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا أَرَادَ اللَّهُ حُصُولَهُ بِسَبَبِ الْفَتْحِ، وَلَيْسَتْ لَامُ التَّعْلِيلِ مُقْتَضِيَةً حَصْرَ الْغَرَضِ مِنَ الْفِعْلِ الْمُعَلَّلِ فِي تِلْكَ الْعِلَّةِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَشْيَاءِ تَكُونُ لَهَا أَسْبَابٌ كَثِيرَةٌ فَيُذْكَرُ بَعْضُهَا مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ وَإِذْ قَدْ كَانَ الْفَتْحُ لكرامة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَبِّهِ تَعَالَى كَانَ مِنْ عِلَّتِهِ أَنْ يغْفر الله لنبيئه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَغْفِرَةً عَامَّةً إِتْمَامًا لِلْكَرَامَةِ فَهَذِهِ مَغْفِرَةٌ خَاصَّة بالنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ غَيْرُ الْمَغْفِرَةِ الْحَاصِلَةِ لِلْمُجَاهِدِينَ بِسَبَبِ الْجِهَادِ وَالْفَتْحِ.
فَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ عِنْدَ حُصُولِ هَذَا الْفَتْحِ غُفْرَانَ جَمِيعِ مَا قَدْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ عَلَى مَثْلِهِ رُسُلَهُ حَتَّى لَا يبْقى لرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَقْصُرُ بِهِ عَنْ بُلُوغِ نِهَايَةِ الْفَضْلِ بَيْنَ الْمَخْلُوقَاتِ.
فَجَعَلَ هَذِهِ الْمَغْفِرَةَ جَزَاءً لَهُ عَلَى إِتْمَامِ أَعْمَالِهِ الَّتِي أُرْسِلَ لِأَجْلِهَا مِنَ التَّبْلِيغِ وَالْجِهَادِ وَالنَصَبِ وَالرَّغْبَةِ إِلَى اللَّهِ. فَلَمَّا كَانَ الْفَتْحُ حَاصِلًا بِسَعْيِهِ وَتَسَبُّبِهِ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ لَهُ ذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ جَزَاءَهُ غُفْرَانَ ذُنُوبِهِ بِعِظَمِ أَثَرِ ذَلِكَ الْفَتْحِ بِإِزَاحَةِ الشِّرْكِ وَعُلُوِّ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكْمِيلِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 146
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست