responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 89
الْعِنَادِ وَالضَّلَالَةِ، أُعْقِبَ بِإِعْلَامِهِمْ أَنَّ اللَّهَ مِنْ شَأْنِهِ قَبُولُ تَوْبَةِ مَنْ يَتُوبُ مِنْ عِبَادِهِ، وَعَفْوُهُ بِذَلِكَ عَمَّا سَلَفَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ.
وَهَذَا الْإِخْبَارُ تَعْرِيضٌ بِالتَّحْرِيضِ عَلَى مُبَادَرَةِ التَّوْبَةِ وَلِذَلِكَ جِيءَ فِيهِ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الصَّالِحِ لِلِاسْتِقْبَالِ. وَهُوَ أَيْضًا بِشَارَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُ قَبِلَ تَوْبَتَهُمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقْبَلَ التَّوْبَةَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَكُونُ قَدْ قَبِلَ تَوْبَةَ التَّائِبِينَ مِنْ قَبْلُ، بِدَلَالَةِ لَحْنِ الْخِطَابِ أَوْ فَحْوَاهُ، وَأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ الِاسْتِجَابَةَ لِلَّذِينِ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ عِبَادِهِ. وَكُلُّ ذَلِكَ جَرْيٌ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي تَعْقِيبِ التَّرْهِيبِ بِالتَّرْغِيبِ وَعَكْسِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ يَتَضَمَّنُ وَعْدًا لِلْمُؤْمِنِينَ بِقَبُولِ إِيمَانِهِمْ وَلِلْعُصَاةِ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِمْ.
فَجُمْلَةُ: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [الشورى: 21] وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَخَاصَّةً جُمْلَةَ: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ [الشورى: 24] .
وَابْتِنَاءُ الْإِخْبَارِ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى أُسْلُوبِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِإِفَادَتِهَا ثَبَاتَ حُكْمِهَا وَدَوَامَهُ. وَمَجِيءُ الْمُسْنَدِ اسْمَ مَوْصُولٍ لِإِفَادَةِ اتِّصَافِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَضْمُونِ صِلَتِهِ وَأَنَّهَا شَأْن من شؤون اللَّهِ تَعَالَى عُرِفَ بِهِ ثَابِتٌ لَهُ لَا يَتَخَلَّفُ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِحِكْمَتِهِ وَعَظْمَةِ شَأْنِهِ وَغِنَاهُ عَنْ خَلْقِهِ. وَإِيثَارُ جُمْلَةِ الصِّلَةِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ تُجَدُّدِ مَضْمُونِهِ وَتَكَرُّرِهِ لِيَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ لَا يَتَخَلَّفُ وَلَا يَخْتَلِفُ.
وَفِعْلُ (قَبِلَ) يَتَعَدَّى بِ (مِنْ) الِابْتِدَائِيَّةِ تَارَةً كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ [التَّوْبَة: 54] وَقَوْلِهِ: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً [آل عمرَان: 91] ، فَيُفِيدُ مَعْنَى الْأَخْذِ لِلشَّيْءِ الْمَقْبُولِ صَادِرًا مِنَ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَيُعَدَّى بِ عَنْ فَيُفِيدُ مَعْنَى مُجَاوَزَةِ الشَّيْءِ الْمَقْبُولِ أَوِ انْفِصَالَهُ عَنْ مُعْطِيهِ وَبَاذِلِهِ، وَهُوَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً فِي مَعْنَى الْفِعْلِ مَنْ تَعْدِيَتِهِ بِحَرْفِ (مِنْ) لَأَنَّ فِيهِ كِنَايَةً عَنِ احْتِبَاسِ الشَّيْءِ الْمَبْذُولِ عِنْدَ الْمَبْذُولِ إِلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُرَدُّ عَلَى بَاذِلِهِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 89
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست