responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 57
وَقَوْلُهُ: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَخْ تَحْذِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ. وَتَنْكِيرُ كَلِمَةٌ لِلتَّنْوِيعِ لِأَنَّ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنَ الْمُتَفَرِّقِينَ فِي الدِّينِ كَلِمَةً مِنَ اللَّهِ فِي تَأْجِيلِهِمْ فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ [الْبَقَرَة:
7] . وَتَنْكِيرُ أَجَلٍ أَيْضًا لِلتَّنْوِيعِ لِأَنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ مِنَ الْمُتَفَرِّقِينَ أَجَلًا مُسَمًّى، فَهِيَ آجَالٌ مُتَفَاوِتَةٌ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ وَمُخْتَلِفَةٌ بِالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ.
وَالْمُرَادُ بِالْكَلِمَةِ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ إِمْهَالِهِمْ وَتَأْخِيرِ مُؤَاخَذَتِهِمْ إِلَى أَجَلٍ لَهُمُ اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ فِي نِظَامِ هَذَا الْعَالَمِ، فَرُبَّمَا أَخَّرَهُمْ ثُمَّ عَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَرُبَّمَا أَخَّرَهُمْ إِلَى عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْأَجَلِ الْمُسَمَّى، وَلِكُلِّ ذَلِكَ كَلِمَتُهُ. فَالْكَلِمَةُ هُنَا مُسْتَعَارَةٌ
لِلْإِرَادَةِ وَالتَّقْدِيرِ. وَسَبْقُهَا تَقَدُّمُهَا مِنْ قَبْلِ وَقْتِ تَفَرُّقِهِمْ وَذَلِكَ سَبْقُ عِلْمِ اللَّهِ بِهَا وَإِرَادَتِهِ إيّاها على وقف عَلِمَهُ وَقَدَّرَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي سُورَةِ هُودٍ وَفِي سُورَةِ طه.
وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ.
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِلَى قَوْلِهِ: لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ هِيَ الْمَقْصُودُ مِنْ جُمْلَةِ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً إِلَى قَوْلِهِ: وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى: 13] ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَهْلُ الْكِتَابِ الْمَوْجُودُونَ فِي زَمَنِ نُزُولِ الْآيَةِ.
وَإِذْ قَدْ كَانَتْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي أَوْحَى اللَّهُ إِلَى رُسُلِهِمْ أُمَّتَانِ مَوْجُودَتَانِ فِي حِينِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُمَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَكَانَتَا قَدْ تَفَرَّقَتَا فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ الْعِلْمُ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَكَانُوا لَمَّا بَلَغَتْهُمْ رِسَالَة محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكُّوا فِي انْطِبَاقِ الْأَوْصَافِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْكِتَابِ بِوَصْفِ النَّبِيءِ الْمَوْعُودِ بِهِ.
فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ كَمَا تَفَرَّقَ أَسْلَافُهُمْ فِي الدِّينِ قَبْلَ بَعْثَةِ النَّبِيءِ الْمَوْعُودِ بِهِ تَفَرَّقَ خَلَفُهُمْ مِثْلَهُمْ وَزَادُوا تَفَرُّقًا فِي تَطْبِيقِ صِفَاتِ النَّبِيءِ الْمَوْعُودِ بِهِ تَفَرُّقًا نَاشِئًا عَنِ التَّرَدُّدِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 57
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست