responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 51
تَكُونَ أَنْ تَفْسِيرِيَّةً، أَيْ شَرَعَ لَكُمْ وُجُوبَ إِقَامَةِ الدِّينِ الْمُوحَى بِهِ وَعَدَمَ التَّفَرُّقِ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُخَالِفُ هَذِهِ الشَّرَائِعَ الْمُسَمَّاةَ، وَأَنَّ اتِّبَاعَهُ يَأْتِي بِمَا أَتَتْ بِهِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَالِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ دِينِ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى لِأَنَّ نُوحًا أَوَّلُ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ، فَدِينُهُ هُوَ أَسَاسُ الدِّيَانَاتِ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ والنبيئين مِنْ بَعْدِهِ [النِّسَاء: 163] وَلِأَنَّ دِينَ إِبْرَاهِيمَ هُوَ أَصْلُ الْحَنِيفِيَّةِ وَانْتَشَرَ بَيْنَ الْعَرَبِ بِدَعْوَةِ إِسْمَاعِيلَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَشْهَرُ الْأَدْيَانِ بَيْنَ الْعَرَبِ، وَكَانُوا عَلَى أَثَارَةٍ مِنْهُ فِي الْحَجِّ وَالْخِتَانِ وَالْقِرَى وَالْفُتُوَّةِ. وَدِينُ مُوسَى هُوَ أَوْسَعُ الْأَدْيَانِ السَّابِقَةِ فِي تَشْرِيعِ الْأَحْكَامِ، وَأَمَّا دِينُ عِيسَى فَلِأَنَّهُ الدِّينُ الَّذِي سَبَقَ دِينَ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا دِينٌ آخَرُ، وَلِيَتَضَمَّنَ التَّهْيِئَةَ إِلَى دَعْوَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ. وَتَعْقِيبُ ذِكْرِ دِينِ نُوحٍ بِمَا أُوحِيَ إِلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ الْخَاتَمُ لِلْأَدْيَانِ، فَعُطِفَ، عَلَى أَوَّلِ الْأَدْيَانِ جَمْعًا بَيْنَ طَرَفَيِ الْأَدْيَانِ، ثُمَّ ذُكِرَ بَعْدَهُمَا الْأَدْيَانُ الثَّلَاثَةُ الْأُخَرُ لِأَنَّهَا مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الدِّينَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ قَبْلَهَا. وَهَذَا نَسْجٌ بَدِيعٌ مِنْ نَظْمِ الْكَلَامِ، وَلَوْلَا هَذَا الِاعْتِبَارُ لَكَانَ ذِكْرُ الْإِسْلَامِ مُبْتَدَأً بِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ والنبيئين من بعده [النِّسَاء:
163] وَقَوْلِهِ: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النبيئين مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [7] .
وَذَكَرَ فِي «الْكَشَّافِ» فِي آيَةِ الْأَحْزَابِ أَنَّ تَقْدِيمَ ذكر النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّفْصِيلِ لِبَيَانِ
أَفْضَلِيَّتِهِ لِأَنَّ الْمَقَامَ هُنَالِكَ لِسَرْدِ مَنْ أُخِذَ عَلَيْهِمِ الْمِيثَاقُ، وَأَمَّا آيَةُ سُورَةِ الشُّورَى فَإِنَّمَا أُورِدَتْ فِي مَقَامِ وَصْفِ دِينِ الْإِسْلَامِ بِالْأَصَالَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ فَكَأَنَّ اللَّهَ قَالَ: شَرَعَ لَكُمُ الدِّينَ الْأَصِيلَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ نُوحًا فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَبَعَثَ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَهْدِ الْحَدِيثِ، وَبَعَثَ بِهِ مَنْ تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا.
فَقَوْلُهُ: وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هُوَ مَا سَبَقَ نُزُولُهُ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَا فِيهِ مِنْ أَحْكَامٍ، فَعَطَفَهُ عَلَى مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا مِنَ الْمُغَايَرَةِ بِزِيَادَةِ التَّفْصِيلِ وَالتَّفْرِيعِ. وَذَكَرَهُ عَقِبَ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا لِلنُّكْتَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 51
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست