responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 358
لِحُجَّتِهِمْ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا فِيمَا أَرَادُوهُ، عَلَى فَرْضِ وُقُوعِ الْبَعْثِ مِنْ أَنْ يَكُونُوا آمِنِينَ مِنْ أَهْوَالِ الْبَعْثِ، وَأَنَّهُمْ لَا يُرْجَى لَهُمُ اهْتِدَاءٌ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ غَيْرَ قَابِلِينَ لِلْهُدَى فَلَا يَسْتَطِيعُ غَيْرُهُ هُدَاهُمْ.
وإِلهَهُ يَجُوزُ أَنَّ يَكُونَ أُطْلِقُ عَلَى مَا يُلَازَمُ طَاعَتُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مَعْبُودٌ فَيَكُونُ هَذَا الْإِطْلَاقُ بِطَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، أَيِ اتَّخَذَ هَوَاهُ كَإِلَهٍ لَهُ لَا يُخَالِفُ لَهُ أَمْرًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَبْقَى إِلهَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَيَكُونَ هَواهُ بِمَعْنَى مَهْوِيِّهِ، أَيْ عَبَدَ إِلَهًا لِأَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَعْبُدَهُ، يَعْنِي الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْأَصْنَامَ آلِهَةً لَا يقلعون عَن عبادتها لِأَنَّهُمْ أَحَبُّوهَا، أَيْ أَلِفُوهَا وَتَعَلَّقَتْ قُلُوبُهُمْ بِعِبَادَتِهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [الْبَقَرَة: 93] .
وَمَعْنَى أَضَلَّهُ اللَّهُ أَنَّهُ حَفَّهُمْ بِأَسْبَابِ الضَّلَالَةِ مِنْ عُقُولٍ مُكَابِرَةٍ وَنُفُوسٍ ضَعِيفَةٍ،
اعْتَادَتِ اتِّبَاعَ مَا تَشْتَهِيهِ لَا تَسْتَطِيعُ حمل المصابرة والرضى بِمَا فِيهِ كَرَاهِيَةٌ لَهَا. فَصَارَتْ أَسْمَاعُهُمْ كَالْمَخْتُومِ عَلَيْهَا فِي عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَوَاعِظِ وَالْبَرَاهِينِ، وَقُلُوبُهُمْ كَالْمَخْتُومِ عَلَيْهَا فِي عَدَمِ نُفُوذِ النَّصَائِحِ وَدَلَائِلِ الْأَدِلَّةِ إِلَيْهَا، وَأَبْصَارُهُمْ كَالْمُغَطَّاةِ بِغِشَاوَاتٍ فَلَا تَنْتَفِعُ بِمُشَاهَدَةِ الْمَصْنُوعَاتِ الْإِلَهِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَعَلَى أَنَّ بَعْدَ هَذَا الْعَالَمِ بَعْثًا وَجَزَاءً.
وَمَعْنَى عَلى عِلْمٍ أَنَّهُمْ أَحَاطَتْ بِهِمْ أَسْبَابُ الضَّلَالَةِ مَعَ أَنَّهُمْ أَهْلُ عِلْمٍ، أَيْ عُقُولٍ سَلِيمَةٍ أَوْ مَعَ أَنَّهُمْ بَلَغَهُمُ الْعِلْمُ بِمَا يَهْدِيهِمْ وَذَلِكَ بِالْقُرْآنِ ودعوة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَامِ.
فَحَرْفُ عَلى هُنَا مَعْنَاهُ الْمُصَاحَبَةُ بِمَعْنَى (مَعَ) وَأَصْلُ هَذَا الْمَعْنَى اسْتِعَارَةُ مَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ التَّمَكُّنُ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْمَوْصُوفِ. وَشَاعَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي (عَلَى) كَمَا فِي قَوْلِ الْحَارِثِ بْنِ حِلِّزَةَ:
فَيَقِينًا عَلَى الشَّنَاءَةِ تَنْمِينَا ... حُصُونٌ وَعِزَّةٌ قَعْسَاءُ
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ ضَالٌّ مَعَ مَا لَهُ مِنْ صِفَةِ الْعِلْمِ، فَالْعِلْمُ هُنَا مِنْ وَصْفِ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنَ الْعِلْمِ لَوْ خَلَعَ عَنْ نَفْسِهِ الْمُكَابَرَةَ وَالْمَيْلَ إِلَى الْهَوَى.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 358
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست