responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 354
أَحْسَنَ حَالًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا أَنْ يَكُونُوا مِثْلَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ فِي مَقَامِ التَّطَاوُلِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَإِرَادَةِ إِفْحَامِهِمْ بِسَفْسَطَتِهِمْ. فَبِنَا أَنَّ نُبَيِّنَ مُوقِعَ هَذَا الْكَافِ فِي الْآيَةِ.
وَالَّذِي أَرَى: أَنَّ مَوْقِعَهُ الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ لِلْمُؤْمِنِينَ حُسْنَ الْحَالِ بَعْدَ الْمَمَاتِ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ الْمُقَدَّرُ مَضْرِبَ الْأَمْثَالِ وَمَنَاطَ التَّشْبِيهِ، وَإِلَى أَنَّ حُسْبَانَ الْمُشْرِكِينَ أَنْفُسَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَلَى حَالَةٍ حَسَنَةٍ بَاطِلٌ، فَعَبَّرَ عَنْ حُسْبَانِهِمُ الْبَاطِلِ بِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا لِأَنْفُسِهِمْ فِي الْآخِرَةِ الْحَالَ الَّتِي هِيَ حَالُ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ حَسِبَ الْمُشْرِكُونَ بِزَعْمِهِمْ أَنْ يَكُونُوا بَعْدَ الْمَوْتِ فِي حَالَةٍ إِذَا أَرَادَ الْوَاصِفُ أَنْ يَصِفَهَا وَصَفَهَا بِمُشَابَهَةِ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِنْدِ اللَّهِ وَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ مَثَّلُوا حَالَهُمْ بِحَالِ الْمُؤْمِنِينَ فَيُؤَوَّلُ قَوْلُهُ:
كَالَّذِينَ آمَنُوا
إِلَى حِكَايَةِ الْكَلَامِ الْمَحْكِيِّ بِعِبَارَةٍ تُسَاوِيهِ لَا بِعِبَارَةِ قَائِلِهِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُتَوَسَّعُ فِيهِ فِي حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ، رَبِّي وَرَبَّكُمْ [الْمَائِدَة: 117] فَإِنَّ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبَّكَ وَرَبَّهُمْ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ دَعَا اللَّهُ هُنَا قَصْدَ التَّنْوِيهِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْعِنَايَةِ بِزُلْفَاهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَحَسِبُوا أَنْ نَجْعَلَهُمْ فِي حَالَةٍ حَسَنَةٍ وَلَكِنَّ هَذَا الْمَأْمُولَ فِي حُسْبَانِهِمْ هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَالُ الْمُؤْمِنِينَ لَا حَالُهُمْ. فَأَوْجَزَ الْكَلَامَ، وَفَهْمُ السَّامِعِ يَبْسُطُهُ. وَالْمُوَاجَهُ بِهَذَا الْكَلَامِ هُمُ النَّبِيءُ وَالْمُؤْمِنُونَ تَكْمِلَة للغرض الْمُبْتَدَأ بِهِ فِي قَوْلِهِ: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ [الجاثية: 14] عَلَى أَنَّ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى: كَالَّذِينَ آمَنُوا
مُعْتَرِضًا بَيْنَ مَفْعُولَيْ (نَجْعَلُ) وَهُمَا ضَمِيرَا الْغَائِبِينَ وَجُمْلَةُ سَواءً مَحْياهُمْ
أَوْ وَلَفْظُ سَواءً
فِي قِرَاءَةِ نَصْبِهِ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا إِدْخَالُهُ فِي حُسْبَانِ الْمُشْرِكِينَ.
وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: كَالَّذِينَ آمَنُوا
تَهَكُّمًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي حُسْبَانِهِمْ تَأْكِيدًا لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ.
وَمِنْ خِلَافِ ظَاهِرِ التَّرْكِيبِ مَا قِيلَ: إِنَّ مَدْلُولَ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ
لَيْسَ مِنْ
حُسْبَانِ الْمُشْرِكِينَ الْمَنْكُورِ وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 354
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست