responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 280
سُورَةِ الْمَائِدَةِ
[25] ، أَيْ جَعَلَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ الَّتِي أُنْزِلَ فِيهَا الْقُرْآنُ وَقْتًا لِإِنْفَاذِ وُقُوعِ أُمُورٍ هَامَّةٍ مِثْلَ بعثة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْرِيفًا لِتِلْكَ الْمُقَضَّيَاتِ وَتَشْرِيفًا لِتِلْكَ اللَّيْلَةِ.
وَكَلِمَةُ كُلُّ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَعْمَلَةً فِي حَقِيقَةِ مَعْنَاهَا مِنَ الشُّمُولِ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ مَا هِيَ الْأُمُورُ الْحَكِيمَةُ فَجَمَعَهَا لِلْقَضَاءِ بِهَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَأَعْظَمُهَا ابْتِدَاءً نُزُولُ الْكِتَابِ الَّذِي فِيهِ صَلَاحُ النَّاسِ كَافَّةً. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ مُسْتَعْمَلَةً فِي مَعْنَى الْكَثْرَةِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِ الْعَرَبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّمْلِ [23] وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَيْ فِيهَا تُفْرَقُ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُسْتَمِرٌّ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ تُوَافِقُ عَدَّ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ كُلِّ عَامٍ كَمَا يُؤْذِنُ بِهِ الْمُضَارِعُ فِي قَوْلِهِ: يُفْرَقُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالُ الْمُضَارِعِ فِي يُفْرَقُ لِاسْتِحْضَارِ تِلْكَ الْحَالَةِ الْعَظِيمَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَتُثِيرُ سَحاباً [الرّوم: 48] .
وَالْأَمْرُ الْحَكِيمُ: الْمُشْتَمِلُ عَلَى حِكْمَة من حِكْمَةٍ اللَّهِ تَعَالَى أَوِ الْأَمْرِ الَّذِي أَحْكَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَتْقَنَهُ بِمَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ مِنَ النُّظُمِ الْمُدَبِّرَةِ الدَّالَّةِ عَلَى سَعَةِ الْعِلْمِ وَعُمُومِهِ. وَبَعْضُ تِلْكَ الْأُمُورِ الْحَكِيمَةِ يَنْفُذُ الْأَمْرُ بِهِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ الموكلين بأنواع الشؤون، وَبَعْضُهَا يَنْفُذُ الْأَمْرُ بِهِ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَبَعْضًا يُلْهَمُ إِلَيْهِ مَنْ أَلْهَمَهُ اللَّهُ أَفْعَالًا حَكِيمَةً، وَاللَّهُ هُوَ الْعَالِمُ بِتَفَاصِيلِ ذَلِكَ.
وَانْتَصَبَ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا عَلَى الْحَالِ مِنْ أَمْرٍ حَكِيمٍ.
وَإِعَادَةُ كَلِمَةِ أَمْراً لِتَفْخِيمِ شَأْنِهِ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ هُوَ قَوْلُهُ: مِنْ عِنْدِنا، فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقَعَ مِنْ عِنْدِنا صِفَةً لِ أَمْرٍ حَكِيمٍ فَخُولِفَ ذَلِكَ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ، أَيْ أَمْرًا عَظِيمًا فَخْمًا إِذَا وُصِفَ بِ حَكِيمٍ. ثُمَّ بِكَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَشْرِيفًا لَهُ بِهَذِهِ الْعِنْدِيَّةِ، وَيَنْصَرِفُ هَذَا التَّشْرِيفُ وَالتَّعْظِيمُ ابْتِدَاءً وَبِالتَّعْيِينِ إِلَى الْقُرْآنِ إِذْ كَانَ بِنُزُولِهِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ تَشْرِيفُهَا وَجَعْلُهَا وَقْتًا لِقَضَاءِ الْأُمُورِ الشَّرِيفَةِ الْحَكِيمَةِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 280
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست