responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 237
وَالَّذِي جَرَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا الْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [98] عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ إِذْ
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى قَبْلَ إِسْلَامه للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخَاصَّةٌ لَنَا وَلِآلِهَتِنَا أَمْ لِجَمِيعِ الْأُمَمِ. فَقَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ لَكُمْ وَلِآلِهَتِكُمْ وَلِجَمِيعِ الْأُمَمِ» ، قَالَ: «خَصَمْتُكَ وَرَبُّ الْكَعْبَةِ أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عِيسَى ابْن مَرْيَمَ نَبِيءٌ وَقَدْ عَبَدَتْهُ النَّصَارَى فَإِنْ كَانَ عِيسَى فِي النَّارِ فَقَدْ رَضِيَنَا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ وَآلِهَتُنَا مَعَهُ»
فَفَرِحَ بِكَلَامِهِ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَضَجَّ أَهْلُ مَكَّةَ بِذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [101] وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى لِجَاجِهِمْ.
وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ يَزِيدُ فِي رِوَايَةِ كَلَامِ ابْنِ الزِّبَعْرَى: وَقَدْ عَبَدَتْ بَنُو مُلَيْحٍ الْمَلَائِكَةَ فَإِنْ كَانَ عِيسَى وَالْمَلَائِكَةُ فِي النَّارِ فَقَدْ رَضِينَا. وَهَذَا يَتَلَاءَمُ مَعَ بِنَاءِ فِعْلِ ضُرِبَ لِلْمَجْهُولِ لِأَنَّ الَّذِي جَعَلَ عِيسَى مَثَلًا لِمُجَادَلَتِهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى، وَلَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْقُرْآنِ تَسْمِيَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَثَلُ مَضْرُوبًا فِي الْقُرْآنِ لَقَالَ: وَلَمَّا ضَرَبْنَا ابْنَ مَرْيَمَ مَثَلًا، كَمَا قَالَ بَعْدَهُ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ [الزخرف: 59] . وَيَتَلَاءَمُ مَعَ تَعْدِيَةِ فِعْلِ يَصِدُّونَ بِحَرْفِ (مِنْ) الِابْتِدَائِيَّةِ دُونَ حَرْفِ (عَنْ) وَمَعَ قَوْلِهِ: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا
بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ
لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ضَمِيرَ النَّصْبِ فِي ضَرَبُوهُ عَائِدٌ إِلَى ابْنِ مَرْيَمَ.
وَالْمُرَادُ بِالْمَثَلِ عَلَى هَذَا الْمُمَثَّلُ بِهِ وَالْمُشَبَّهُ بِهِ، لِأَنَّ ابْنَ الزِّبَعْرَى نَظَّرَ آلِهَتَهُمْ بِعِيسَى فِي أَنَّهَا عُبِدَتْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِثْلَهُ فَإِذَا كَانُوا فِي النَّارِ كَانَ عِيسَى كَذَلِكَ. وَلَا يُنَاكِدُ هَذَا الْوَجْهَ إِلَّا مَا جَرَى عَلَيْهِ عَدُّ السُّوَرِ فِي تَرْتِيبِ النُّزُولِ مِنْ عَدِّ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ الَّتِي كَانَتْ آيَتُهَا سَبَبَ الْمُجَادَلَةِ مُتَأَخِّرَةً فِي النُّزُولِ عَنْ سُورَةِ الزُّخْرُفِ وَلَعَلَّ تَصْحِيحَ هَذَا الْوَجْهِ عِنْدَهُمْ بَكُرَ بِالْإِبْطَالِ عَلَى مَنْ جَعَلَ سُورَةَ الْأَنْبِيَاءِ مُتَأَخِّرَةً فِي النُّزُولِ عَنْ سُورَةِ الزُّخْرُفِ بَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ سَابِقَةً حَتَّى تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ مُذَكِّرَةً بِالْقِصَّةِ الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ نُزُولِ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَيْسَ تَرْتِيبُ النُّزُولِ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَلَا بِمُحَقَّقِ السَّنَدِ فَهُوَ يُقْبَلُ مِنْهُ مَا لَا مُعَارِضَ لَهُ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَنْزِلُ الْآيَةُ ثُمَّ تُلْحَقُ بِسُورَةٍ نَزَلَتْ قَبْلَهَا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 237
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست