responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 209
فَمَعْنَى وَمَنْ يَعْشُ مَنْ يَنْظُرُ نَظَرًا غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ فِي الْقُرْآنِ، أَيْ مَنْ لَا حَظَّ لَهُ إِلَّا سَمَاعُ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ دُونَ تَدَبُّرٍ وَقَصْدٍ لِلِانْتِفَاعِ بِمَعَانِيهِ، فَشَبَّهَ سَمَاعَ الْقُرْآنِ مَعَ عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ بِنَظَرِ النَّاظِرِ دُونَ تَأَمُّلٍ.
وَعُدِّيَ يَعْشُ بِ عَنْ الْمُفِيدَةِ لِلْمُجَاوَزَةِ لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الْإِعْرَاضِ عَن ذكر الرحمان وَإِلَّا فَإِنَّ حَقَّ عَشَا أَنْ يُعَدَّى بِ (إِلَى) كَمَا قَالَ الْحَطِيئَةُ:
مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُهُ إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ
وَلَا يُقَالُ: عَشَوْتُ عَنِ النَّارِ إِلَّا بِمِثْلِ التَّضْمِينِ الَّذِي فِي هَاتِهِ الْآيَةِ. فَتَفْسِيرُ مَنْ فَسَّرَ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ بِمَعْنَى يُعْرِضُ: أَرَادَ تَحْصِيلَ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِ التَّعْدِيَةِ بِ عَنْ، وَإِنْكَارُ مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَ (عَشَا) بِمَعْنَى أَعْرَضَ أَرَادَ إِنْكَارَ أَنْ يَكُونَ مَعْنًى أَصْلِيًّا لِفِعْلِ (عَشَا) وَظَنَّ أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِالْإِعْرَاضِ تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى الْفِعْلِ وَلَيْسَ تَفْسِيرًا لِلتَّعْدِيَةِ بِ عَنْ فَالْخِلَافُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ لَفْظِيٌّ.
وذِكْرِ الرَّحْمنِ هُوَ الْقُرْآنُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالذِّكْرِ فِي قَوْلِهِ: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً [الزخرف: 5] . وَإِضَافَتُهُ إِلَى الرَّحْمنِ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَهَذَا ثَنَاءٌ خَامِسٌ عَلَى الْقُرْآنِ.
وَالتَّقْيِيضُ: الْإِتَاحَةُ وَتَهْيِئَةُ شَيْءٍ لِمُلَازَمَةِ شَيْءٍ لِعَمَلٍ حَتَّى يُتِمَّهُ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنِ اسْمٍ جَامِدٍ وَهُوَ قَيَّضَ الْبَيْضَةَ، أَيِ الْقِشْرَ الْمُحِيطَ بِمَا فِي دَاخِلِ الْبَيْضَةِ مِنَ الْمُحِّ لِأَنَّ الْقَيْضَ يُلَازِمُ الْبَيْضَةَ فَلَا يُفَارِقُهَا حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا الْفَرْخُ فَيَتِمَّ مَا أُتِيحَ لَهُ الْقَيْضُ.
فَصِيغَةُ التَّفْعِيلِ لِلْجَعْلِ مِثْلُ طَيَّنَ الْجِدَارَ: وَمِثْلُ أَزَرَهُ، أَيْ أَلْبَسَهُ الْإِزَارَ، وَدَرَعُوا الْجَارِيَةَ، أَيْ أَلْبَسُوهَا الدِّرْعَ. وَأَصْلُهُ هُنَا تَشْبِيهٌ أَيْ نَجْعَلُهُ كَالْقَيْضِ لَهُ، ثُمَّ شَاعَ حَتَّى صَارَ مَعْنًى مُسْتَقِلًّا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ [25] فَضُمَّ إِلَيْهِ مَا هُنَا. وَأَتَى الضَّمِيرُ فِي لَهُ مُفْرَدًا لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ تَحَقَّقَ فِيهِمُ الشَّرْطُ شَيْطَانًا وَلَيْسَ لِجَمِيعِهِمْ شَيْطَانٌ وَاحِدٌ وَلِذَلِكَ سَيَجِيءُ فِي قَوْلِهِ: قالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ [الزخرف:
38] بِالْإِفْرَادِ، أَيْ قَالَ كُلُّ مَنْ لَهُ قَرِينٌ لِقَرِينِهِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 209
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست