responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 202
فَلَامَ لِيَتَّخِذَ لَامُ التَّعْلِيلِ تَعْلِيلًا لِفِعْلِ قَسَمْنا، أَيْ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ، أَيْ أَسْبَابَ مَعِيشَتِهِمْ لِيَسْتَعِينَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَيَتَعَارَفُوا وَيَتَجَمَّعُوا لِأَجْلِ حَاجَةِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ فَتَتَكَوَّنَ مِنْ ذَلِكَ الْقَبَائِلُ وَالْمُدُنُ.
وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: بَعْضُهُمْ بَعْضاً عَامًّا فِي كُلِّ بَعْضٍ مِنَ النَّاسِ إِذْ مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ مُسْتَعْمِلٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ لِغَيْرٍ آخَرَ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اسْمًا مِنَ السُّخْرِيَةِ وَهِيَ الِاسْتِهْزَاءُ. وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَائِلَهُ وَبِذَلِكَ تَكُونُ اللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ مِثْلُ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [الْقَصَص: 8]
وَهُوَ عَلَى هَذَا تَعْرِيضٌ بالمشركين الَّذين استهزؤوا بِالْمُؤْمِنِينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا فِي سُورَةِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [110] . وَقَدْ جَاءَ لَفْظُ السُّخْرِيِّ بِمَعْنَى الِاسْتِهْزَاءِ فِي آيَاتٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 110] وَقَوْلُهُ: أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ [ص: 63] .
وَلَعَلَّ الَّذِي عَدَلَ بِبَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةِ سُورَةِ الزُّخْرُفِ بِهَذَا الْمَعْنَى اسْتِنْكَارُهُمْ أَنْ يَكُونَ اتِّخَاذُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مَسْخَرَةً عِلَّةً لِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي رَفْعِهِ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ، وَلَكِنَّ تَأْوِيلَ اللَّفْظِ وَاسِعٌ فِي نَظَائِرِهِ وَأَشْبَاهِهِ. وَتَأْوِيلُ مَعْنَى اللَّامِ ظَاهر.
وَجُمْلَة وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ تَذْيِيلٌ لِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ، وَفِي هَذَا التَّذْيِيلِ رَدٌّ ثَانٍ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي جَعَلُوهُ عِمَادَ الِاصْطِفَاءِ لِلرِّسَالَةِ هُوَ أَقَلُّ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فَهِيَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ مِنَ الْمَالِ الَّذِي جَعَلُوهُ سَبَبَ التَّفْضِيلِ حِينَ قَالُوا: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: 31] فَإِنَّ الْمَالَ شَيْءٌ جَمَعَهُ صَاحِبُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مِثْلَ اصْطِفَاءِ اللَّهِ الْعَبْدَ لِيُرْسِلَهُ إِلَى النَّاسِ.
وَرَحْمَةُ اللَّهِ: هِيَ اصْطِفَاؤُهُ عَبْدَهُ لِلرِّسَالَةِ عَنْهُ إِلَى النَّاسِ، وَهِيَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ، وَالْمَعْنَى: إِذَا كَانُوا غَيْرَ قَاسِمِينَ أَقَلَّ أَحْوَالِهِمْ فَكَيْفَ يَقْسِمُونَ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِهِمْ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 202
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست