responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 197
مِنْ فَظِيعِ تَوَغُّلِهِمْ فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ التَّوْحِيدِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَبُوهُمْ فَكَانَ مُوقِعُ بَلْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَبْلَغَ مِنْ مَوْقِعِهَا فِي قَوْلِ لَبِيدٍ:
بَلْ مَا تَذَكَّرُ مِنْ نَوَارَ وَقَدْ نَأَتْ ... وَتَقَطَّعَتْ أَسْبَابُهَا وَرِمَامُهَا
إِذْ كَانَ انْتِقَالُهُ اقْتِضَابًا وَكَانَ هُنَا تَخَلُّصًا حَسَنًا.
وهؤُلاءِ إِشَارَةٌ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ فِي الْكَلَامِ، وَقَدِ اسْتَقْرَيْتُ أَنَّ مُصْطَلَحَ الْقُرْآنِ أَنْ يُرِيدَ بِمِثْلِهِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَلَمْ أَرَ مَنِ اهْتَدَى لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَدَّمْتُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [41] وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى.
وَالْمُرَادُ بِآبَائِهِمْ آبَاؤُهُمُ الَّذِينَ سَنُّوا عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ مِثْلُ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وَالَّذِينَ عَبَدُوهَا مِنْ بَعْدِهِ. وَتَمْتِيعُ آبَائِهِمْ تَمْهِيدٌ لِتَمْتِيعِ هَؤُلَاءِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ غَايَةُ التَّمْتِيعِ مَجِيءَ الرَّسُولِ فَإِنَّ مَجِيئَهُ لِهَؤُلَاءِ. وَالتَّمْتِيعُ هُنَا التَّمْتِيعُ بِالْإِمْهَالِ وَعَدَمِ الِاسْتِئْصَالِ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْغَايَةُ فِي قَوْلِهِ: حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ.
وَالْمُرَادُ بِ الْحَقُّ الْقُرْآنُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هَذَا سِحْرٌ [الزخرف: 30] وَقَوْلُهُ: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: 31] وَهَذِهِ الْآيَةُ ثَنَاءٌ رَاجِعٌ عَلَى الْقُرْآنِ مُتَّصِلٌ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ الَّذِي افْتُتِحَتْ بِهِ السُّورَةُ.
فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَان مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى التَّمْتِيعُ وَأُخِذُوا بِالْعَذَابِ تَدْرِيجًا إِلَى أَنْ كَانَ عَذَابُ يَوْمِ بَدْرٍ وَيَوْمِ حُنَيْنٍ، وَهَدَى اللَّهِ لِلْإِسْلَامِ مَنْ بَقِيَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَأَيَّامَ الْوُفُودِ. وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ فِي سُورَةِ هُودٍ [48] .
وَالْحَقُّ الَّذِي جَاءَهُمْ هُوَ: الْقُرْآنُ، وَالرَّسُولُ الْمُبين: مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَصْفُهُ بِ مُبِينٌ لِأَنَّهُ أَوْضَحَ الْهُدَى وَنَصَبَ الْأَدِلَّةَ وَجَاءَ بِأَفْصَحِ كَلَامٍ. فَالْإِبَانَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى مَعَانِي دِينِهِ وَأَلْفَاظِ كِتَابِهِ. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُشَرِّفَ هَذَا الْفَرِيقَ مِنْ عَقِبِ إِبْرَاهِيمَ بِالِانْتِشَالِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 197
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست