responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 178
انْتِقَاصٍ يُنَافِي الْكَمَالَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْإِلَهِيَّةِ. وَالْكَلَامُ بَعْدَ أَمِ اسْتِفْهَامٌ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ كَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ:
وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ. وَمَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْإِنَاثَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُمْ فَكَيْفَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ أَبْنَاءً إِنَاثًا وَهَلَّا جَعَلُوهَا ذُكُورًا. وَلَيْسَتْ لَهُمْ مَعْذِرَةٌ عَنِ الْفَسَادِ الْمُنْجَرِّ إِلَى معتقدهم بالطريقين لِأَنَّ الْإِبْطَالَ الْأَوَّلَ نَظَرِيٌّ يَقِينِيٌّ وَالْإِبْطَالُ الثَّانِي جَدَلِيٌّ بَدِيهِيٌّ قَالَ تَعَالَى: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى [النَّجْم: 21، 22] . فَهَذِهِ حُجَّةٌ نَاهِضَةٌ عَلَيْهِمْ لِاشْتِهَارِهَا بَيْنَهُمْ.
وَلَمَّا ادَّعَتْ سَجَاحُ بِنْتُ الْحَارِثِ النُّبُوءَةَ فِي بَنِي تَمِيمٍ أَيَّامَ الرِّدَّةِ وَكَانَ قَدِ ادَّعَى النُّبُوءَةَ قَبْلَهَا مُسَيْلِمَةُ الْحَنَفِيُّ، وَالْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ، وَطَلِيحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيُّ، قَالَ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ التَّمِيمِيُّ:
أَضْحَتْ نَبِيئَتُنَا أُنْثَى نَطِيفُ بِهَا ... وَأَصْبَحَتْ أَنْبِيَاءُ النَّاسِ ذُكْرَانَا
وَأُوثِرَ فِعْلُ اتَّخَذَ هُنَا لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الِاتِّخَاذَ بِالْوِلَادَةِ، أَيْ بِتَكْوِينِ الِانْفِصَالِ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُزَاوَجَةِ مَعَ سَرَوَاتِ الْجِنِّ، وَيَشْمَلُ مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ وَهُوَ التَّبَنِّي فَعَلَى كِلَا الْفَرْضَيْنِ يَتَوَجَّهُ إِنْكَارُ أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ لِلَّهِ أَدْوَنَ مِمَّا هُوَ لَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ [النَّحْل: 62] . وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا قَوْلُهُ: وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ، فَهَذَا ارْتِقَاءٌ فِي إِبْطَالِ مُعْتَقَدِهِمْ بِإِبْطَالِ فَرْضِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَبَنَّى الْمَلَائِكَةَ، سَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ بَابَ التَّأَوُّلِ وَالتَّنَصُّلِ مِنْ فَسَادِ نِسْبَتِهِمُ الْبَنَاتِ إِلَى اللَّهِ، فَلَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ: مَا أَرَدْنَا إِلَّا التَّبَنِّيَ، كَمَا تَنَصَّلُوا حِينَ دَمَغَتَهُمْ بَرَاهِينُ بُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ الْأَصْنَامِ فَقَالُوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: 3] ، وَقَالُوا: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يُونُس: 18] .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا تُؤْذِنُ بِهِ أَمِ حَيْثُمَا وَقَعَتْ مِنْ تَقْدِيرِ اسْتِفْهَامٍ بَعْدَهَا هُوَ هُنَا اسْتِفْهَامٌ فِي مَعْنَى الْإِنْكَارِ وَتَسَلُّطُ الْإِنْكَارِ عَلَى اتِّخَاذِ الْبَنَاتِ مَعَ عَدَمِ تَقَدُّمِ ذِكْرِ الْبَنَاتِ لِكَوْنِ الْمَعْلُومِ مِنْ جَعْلِ الْمُشْرِكِينَ لِلَّهِ جُزْءًا أَنَّ الْمَجْعُولَ جُزْءًا لَهُ هُوَ الْمَلَائِكَةُ وَأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا، فَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَجُمْلَةُ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
وَالنَّفْيُ الْحَاصِلُ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ مُنْصَبٌّ إِلَى قَيْدِ الْحَالِ، فَحَصَلَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 178
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست