responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 149
حَائِلٌ دُونَ إِيجَادِ مَا يُبَلِّغُ مُرَادَهُ إِلَى الْمَأْمُورِينَ أَوِ الْمَنْهِيَّينَ، وَكُلَّمَا تَعَلَّقَ عِلْمُهُ بِأَنْ يَتْرُكَ تَوْجِيهَ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ إِلَى النَّاسِ لَمْ يُكْرِهْهُ مُكْرِهٌ عَلَى أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَوْ يَنْهَاهُمْ.
وَكَمَا أَنَّ لِلْإِرَادَةِ تَعَلُّقًا صَلَاحِيًّا أَزَلِيًّا وَتَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا حَادِثًا حِينَ تَتَوَجَّهُ الْإِرَادَةُ إِلَى إِيجَادٍ بِوَاسِطَةِ الْقُدْرَةِ. كَذَلِكَ نَجِدُ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَلُّقًا صَلَاحِيًّا أَزَلِيًّا وَتَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا حِينَ اقْتِضَاءِ عِلْمِ اللَّهِ تَوْجِيهَ أَمْرِهِ أَوْ نَهْيِهِ أَوْ نَحْوِهِمَا إِلَى بَعْضِ عِبَادِهِ. فَالْكَلَامُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ الرَّسُولُ وَيَنْسُبُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى هُوَ حَادِثٌ وَهُوَ أَثَرُ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ الْحَادِثِ، وَالْكَلَامُ الَّذِي نَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَهُ وَأَرَادَ مِنَ النَّاسِ الْعَمَلَ بِهِ هُوَ الصِّفَةُ الْأَزَلِيَّةُ الْقَدِيمَةُ وَلَهَا التَّعَلُّقُ الصَّلَاحِيُّ الْقَدِيمُ. وَفِي «الرِّسَالَةِ الْخَاقَانِيَّةِ» لِلْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْحَكِيمِ السَّلَكُوتِيِّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا حَادِثًا، وَهَذَا مِنَ التَّحْقِيقِ بِمَكَانٍ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ الْأَزَلِيَّ يَتَنَوَّعُ إِلَى أَنْوَاعِ الْمَدْلُولَاتِ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَخَبَرٍ وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَخُلَاصَةُ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ يَخْلُقُ فِي نَفْسِ جِبْرِيلَ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عِلْمًا بِمُرَادِ اللَّهِ عَلَى كَيْفِيَّةٍ لَا نَعْلَمُهَا، وَعِلْمًا بِأَنَّ اللَّهَ سَخَّرَهُ إِبْلَاغَ مُرَادِهِ إِلَى النبيء، وَالْمَلَكُ يُبَلِّغُ إِلَى النَّبِيءِ مَا أَمر بتبليغه امتثالا لِلْآمِرِ التَّسْخِيرِيِّ، بِأَلْفَاظٍ مُعَيَّنَةٍ أَلْقَاهَا اللَّهُ فِي نَفْسِ الْمَلَكِ مِثْلَ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ، أَوْ بِأَلْفَاظٍ مِنْ صَنْعَةِ الْمَلَكِ كَالَّتِي حَكَى الله عَن زَكَرِيَّاء بَقَوْلِهِ: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى [آل عمرَان: 39] . أَوْ يَخْلُقُ فِي سَمْعِ النَّبِيءِ كَلَامًا يَعْلَمُ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّهُ غَيْرُ صَادِرٍ إِلَيْهِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ، فَيُوقِنُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
بِدَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَبِدَلَالَةِ تَعَوُّدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَهَذَا مِثْلُ الْكَلَامِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ بِهِ مُوسَى أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ يَا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ [الْقَصَص: 30، 31] الْآيَةَ، فَقَرَنَ خِطَابَهُ الْخَارِقَ لِلْعَادَةِ بِالْمُعْجِزَةِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ لِيُوقِنَ مُوسَى أَنَّ ذَلِكَ كَلَامٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. أَوْ يَخْلُقُ فِي نَفْسِ النَّبِيءِ عِلْمًا قَطْعِيًّا بِأَنَّ اللَّهَ أَرَادَ مِنْهُ كَذَا كَمَا يَخْلُقُ فِي نَفْسِ الْمَلَكِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 149
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست