responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 143
وَمِنَ الْإِلْهَامِ مَرَائِي الصَّالِحِينَ فَإِنَّهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوءَةِ.
وَلَيْسَ الْإِلْهَامُ بِحُجَّةٍ فِي الدِّينِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَعْصُومِ لَا يُوثَقُ بِصِحَّةِ خَوَاطِرِهِ إِذْ لَيْسَ مَعْصُومًا مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ. وَبَعْضُ أَهْلِ التَّصَوُّفِ وَحُكَمَاءِ الْإِشْرَاقِ يَأْخُذُونَ بِهِ فِي خَاصَّتِهِمْ وَيَدَّعُونَ أَنَّ أَمَارَاتٍ تُمَيِّزُ لَهُمْ بَيْنَ صَادِقِ الْخَوَاطِرِ وَكَاذِبِهَا وَمِنْهُ قَوْلُ قُطْبِ الدِّينِ الشِّيرَازِيِّ فِي دِيبَاجَةِ شَرْحِهِ عَلَى «الْمِفْتَاحِ» «إِنِّي قَدْ أُلْقِيَ إِلَيَّ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْذَارِ مِنْ حَضْرَةِ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ بِلِسَانِ الْإِلْهَامِ لَا كَوَهْمٍ مِنَ الْأَوْهَامِ» إِلَى أَنْ قَالَ «مَا أَوْرَثَنِي التَّجَافِيَ عَنْ دَارِ الْغُرُورِ» . وَمِنْهُ مَا
وَرَدَ فِي قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ أَجْلَهَا وَرِزْقَهَا»
عَلَى أَحَدِ تَفْسِيرَيْنِ فِيهِ، وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا لِأَنَّ أَلْفَاظَ هَذَا الْحَدِيثِ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يُحْكَى بِهَا نُزُولُ الْوَحْيِ بِوَاسِطَةِ كَلَامِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ يَسْمَعُهُ سَامِعُهُ وَلَا يَرَى مَصْدَرَهُ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ كَلَامًا فِي شَيْءٍ مَحْجُوبٍ عَنْ سَامِعِهِ وَهُوَ مَا وَصَفَ اللَّهَ هُنَا بَقَوْلِهِ: أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ.
وَالْمَعْنَى: أَوْ مَحْجُوبًا الْمُخَاطَبُ- بِالْفَتْحِ- عَنْ رُؤْيَةِ مَصْدَرِ الْكَلَامِ، فَالْكَلَامُ كَأَنَّهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَهَذَا مِثْلَ تَكْلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى مُوسَى فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَيَحْصُلُ عِلْمُ الْمُخَاطَبِ بِأَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِآيَةٍ يُرِيهِ اللَّهُ إِيَّاهَا يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا بِتَسْخِيرِ اللَّهِ كَمَا عَلِمَ مُوسَى ذَلِكَ بِانْقِلَابِ عَصَاهُ حَيَّةً ثُمَّ عَوْدِهَا إِلَى حَالَتِهَا الْأُولَى، وَبِخُرُوجِ يَدِهِ مِنْ جَيْبِهِ بَيْضَاءَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: آيَةً أُخْرى لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى [طه: 22، 24] . ثُمَّ يَصِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ عَادَةً يَعْرِفُ بِهَا كَلَامَ اللَّهِ.
وَاخْتَصَّ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْكَلَامِ فِي الرُّسُلِ السَّابِقِينَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ يَا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ برسالتي وبكلامي [الْأَعْرَاف:
144] وَلَيْسَ الْوَحْيُ إِلَى مُوسَى مُنْحَصِرًا فِي هَذَا النَّوْعِ فَإِنَّهُ كَانَ يُوحَى إِلَيْهِ الْوَحْيَ الْغَالِبَ لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَقَدْ حَصَلَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْكَلَام لمُحَمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، فَقَدْ
جَاءَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ: أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 143
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست