responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 98
وَالْإِحْيَاءَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ الْبَعْثِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الْبَقَرَة: 28] .
وَانْتَصَبَ اثْنَتَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الصِّفَةِ لِمَفْعُولٍ مُطْلَقٍ مَحْذُوفٍ. وَالتَّقْدِيرُ:
مَوْتَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ وَإِحْيَاءَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ فَيَجِيءُ فِي تَقْدِيرِ مَوْتَتَيْنِ تَغْلِيبُ الِاسْمِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى الِاسْمِ الْمَجَازِيِّ عِنْدَ مَنْ يُقَيِّدُ مَعْنَى الْمَوْتِ.
وَقَدْ أَوْرَدَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِشْكَالَ أَنَّ هُنَالِكَ حَيَاةً ثَالِثَةً لَمْ تُذْكَرْ هُنَا وَهِيَ الْحَيَاةُ فِي الْقَبْرِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا حَدِيثُ سُؤَالِ الْقَبْرِ وَهُوَ حَدِيثٌ اشْتُهِرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَهْدِ السَّلَفِ، وَفِي كَوْنِ سُؤَالِ الْقَبْرِ يَقْتَضِي حَيَاةَ الْجِسْمِ حَيَاةً كَامِلَةً احْتِمَالٌ، وَقَدْ يُتَأَوَّلُ بِسُؤَالِ رُوحِ الْمَيِّتِ عِنْدَ جَسَدِهِ أَوْ بِحُصُولِ حَيَاةِ بَعْضِ الْجَسَدِ أَو لِأَنَّهَا لما كَانَت حَيَاةٌ مُؤَقَّتَةٌ بِمِقْدَارِ السُّؤَالِ لَيْسَ لِلْمُتَّصِفِ بِهَا تَصَرُّفُ الْأَحْيَاءِ فِي هَذَا الْعَالَمِ، لَمْ يُعْتَدْ بِهَا لَا سِيَّمَا وَالْكَلَامُ مُرَادٌ مِنْهُ التَّوْطِئَةُ لِسُؤَالِ خُرُوجِهِمْ مِنْ جَهَنَّمَ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْآيَةَ بِمَعْزِلٍ عَنْ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهَا لِثُبُوتِ الْحَيَاةِ عِنْدَ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ.
وَتَفَرَّعَ قَوْلُهُمْ: فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا عَلَى قَوْلِهِمْ: وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ اعْتِبَارُ أَنَّ إِحْدَى الْإِحْيَاءَتَيْنِ كَانَتِ السَّبَبَ فِي تَحَقُّقِ ذُنُوبِهِمُ الَّتِي مِنْ أُصُولِهَا إِنْكَارُهُمُ الْبَعْثَ فَلَمَّا رَأَوُا الْبَعْثَ رَأْيَ الْعَيْنِ أَيْقَنُوا بِأَنَّهُمْ مُذْنِبُونَ إِذْ أَنْكَرُوهُ وَمُذْنِبُونَ بِمَا اسْتَكْثَرُوهُ مِنَ الذُّنُوبِ لِاغْتِرَارِهِمْ بِالْأَمْنِ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْحَيَاةِ الْعَاجِلَةِ.
فَجُمْلَةُ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا إِنْشَاءُ إِقْرَارٍ بِالذُّنُوبِ وَلِذَلِكَ جِيءَ فِيهِ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي كَمَا هُوَ غَالِبُ صِيَغِ الْخَبَرِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْإِنْشَاءِ مِثْلَ صِيَغِ الْعُقُودِ نَحْوَ: بِعْتُ. وَالْمَعْنَى: نَعْتَرِفُ بِذُنُوبِنَا.
وَجَعَلُوا هَذَا الِاعْتِرَافَ ضَرْبًا مِنَ التَّوْبَةِ تَوَهُّمًا مِنْهُمْ أَنَّ التَّوْبَةَ تَنْفَعُ يَوْمَئِذٍ، فَلِذَلِكَ فَرَّعُوا عَلَيْهِ: فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ، فَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْعَرْضِ وَالِاسْتِعْطَافِ كُلِّيًّا لِرَفْعِ الْعَذَابِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ حِكَايَةُ سُؤَالِ أَهْلِ النَّارِ الْخُرُوجَ أَوِ التَّخْفِيفَ وَلَوْ يَوْمًا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 98
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست