responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 97
[سُورَة غَافِر (40) : آيَة 11]
قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)
جَوَابٌ عَنِ النِّدَاءِ الَّذِي نُودُوا بِهِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَحَكَى مَقَالَهُمْ عَلَى طَرِيقَةِ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ بِحَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ، طَمَعُوا أَنْ يَكُونَ اعْتِرَافُهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَسِيلَةً إِلَى مَنْحِهِمْ خُرُوجًا مِنَ الْعَذَابِ خُرُوجًا مَا لِيَسْتَرِيحُوا مِنْهُ وَلَوْ بَعْضَ الزَّمَنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النِّدَاءَ الْمُوَجَّهَ إِلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ أَوْهَمَهُمْ أَنَّ فِيهِ إِقْبَالًا عَلَيْهِمْ.
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الِاعْتِرَافِ هُوَ اعْتِرَافُهُمْ بِالْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَهَا وَأَمَّا الْمَوْتَتَانِ وَالْحَيَاةُ الْأُولَى فَإِنَّمَا ذُكِرْنَ إِدْمَاجًا لِلِاسْتِدْلَالِ فِي صُلْبِ الِاعْتِرَافِ تَزَلُّفًا مِنْهُمْ، أَيْ أَيْقَنَّا أَنَّ الْحَيَاةَ الثَّانِيَةَ حَقٌّ وَذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ إِقْرَارَهُمْ صِدْقٌ لَا مُوَارَبَةَ فِيهِ وَلَا تَصَنُّعَ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ عَنْ دَلِيلٍ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ مُسَبَّبًا عَلَى هَذَا الْكَلَامِ بِعَطْفِهِ بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ فِي قَوْلِهِ:
فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا.
وَالْمُرَادُ بِإِحْدَى الْمَوْتَتَيْنِ: الْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْجَنِينُ لَحْمًا لَا حَيَاةَ فِيهِ فِي أَوَّلِ
تَكْوِينِهِ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ، وَإِطْلَاقُ الْمَوْتِ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مَجَازٌ وَهُوَ مُخْتَارُ الزَّمَخْشَرِيِّ وَالسَّكَّاكِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَوْتِ انْعِدَامُ الْحَيَاةِ مِنَ الْحَيِّ بَعْدَ أَنِ اتَّصَفَ بِالْحَيَاةِ، فإطلاقه على حَالَة انْعِدَامِ الْحَيَاةِ قَبْلَ حُصُولِهَا فِيهِ اسْتِعَارَةٌ، إِلَّا أَنَّهَا شَائِعَةٌ فِي الْقُرْآنِ حَتَّى سَاوَتِ الْحَقِيقَةَ فَلَا إِشْكَالَ فِي اسْتِعْمَالِ أَمَتَّنَا فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، فَفِي ذَلِكَ الْفِعْلِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ تَبَعًا لِجَرَيَانِ الِاسْتِعَارَةِ فِي الْمَصْدَرِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَاقِعٌ وَوَارِدٌ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ كَاسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرِكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، وَالَّذِينَ لَا يَرَوْنَ تَقْيِيدَ مَدْلُولِ الْمَوْتِ بِأَنْ يَكُونَ حَاصِلًا بَعْدَ الْحَيَاةِ يَكُونُ إِطْلَاقُ الْمَوْتِ عَلَى حَالَةِ مَا قَبْلَ الِاتِّصَافِ بِالْحَيَاةِ عِنْدَهُمْ وَاضِحًا، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [28] ، عَلَى أَنَّ إِطْلَاقَ الْمَوْتِ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَسْوَغُ لِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيبًا لِلْمَوْتَةِ الثَّانِيَةِ. وَأَمَّا الْمَوْتَةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ الْمَوْتَةُ الْمُتَعَارَفَةُ عِنْدَ انْتِهَاءِ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ.
وَالْمُرَادُ بِالْإِحْيَاءَتَيْنِ: الْإِحْيَاءَةُ الْأُولَى عِنْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِي الْجَسَدِ بَعْدَ مَبْدَأِ تَكْوِينِهِ،

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 97
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست