responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 91
وَجِيءَ فِي وَصْفِهِ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ الْوَاسِعَةِ وَالْعِلْمِ الْوَاسِعِ بِأُسْلُوبِ التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنِ النِّسْبَةِ لِمَا فِي تَرْكِيبِهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ بِإِسْنَادِ السَّعَةِ إِلَى الذَّاتِ ظَاهِرًا حَتَّى كَأَنَّ ذَاتَهُ هِيَ الَّتِي وَسِعَتْ، فَذَلِكَ إِجْمَالٌ يَسْتَشْرِفُ بِهِ السَّامِعُ إِلَى مَا يَرِدُ بَعْدَهُ فَيَجِيءُ بَعْدَهُ التَّمْيِيزُ الْمُبَيِّنُ لِنِسْبَةِ السَّعَةِ أَنَّهَا مِنْ جَانِبِ الرَّحْمَةِ وَجَانِبِ الْعِلْمِ، وَهِيَ فَائِدَةُ تَمْيِيزِ النِّسْبَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، لِأَنَّ
لِلتَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ تَمْكِينًا لِلصِّفَةِ فِي النَّفْسِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مَرْيَم: 4] . وَالْمُرَادُ أَنَّ الرَّحْمَةَ وَالْعِلْمَ وَسِعَا كُلَّ مَوْجُودٍ، الْآنَ، أَيْ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ هُوَ سِيَاقُ الدُّعَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، فَمَا مِنْ مَوْجُودٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَقَدْ نَالَتْهُ قِسْمَةٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَالْإِنْسَانُ وَالْحَيَوَانُ.
وكُلَّ شَيْءٍ كُلَّ مَوْجُودٍ، وَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالْعَقْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّحْمَةِ، أَيْ كُلُّ شَيْءٍ مُحْتَاجٌ إِلَى الرَّحْمَةِ، وَتِلْكَ هِيَ الْمَوْجُودَاتُ الَّتِي لَهَا إِدْرَاكٌ تُدْرِكُ بِهِ الْمُلَائِمَ وَالْمُنَافِرَ وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ، مِنَ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ، إِذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَعَلُّقِ الرَّحْمَةِ بِالْحَجَرِ وَالشَّجَرِ وَنَحْوِهِمَا. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعِلْمِ فَالْعُمُومُ عَلَى بَابِهِ قَالَ تَعَالَى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ [الْملك: 14] .
وَلَمَّا كَانَ سِيَاقُ هَذَا الدُّعَاءِ أَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الدُّنْيَا كَمَا تَقَدَّمَ انْدَفَعَ مَا عَسَى أَنْ يُقَالَ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ لَا تَسَعُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذْ هُمْ فِي عَذَابٍ خَالِدٍ فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَخْصِيصِ عُمُومِ كُلِّ شَيْءٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَعَةِ الرَّحْمَةِ بِمُخَصَّصَاتِ الْأَدِلَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْقَاضِيَةِ بِعَدَمِ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ لِلْمُشْرِكِينَ بَعْدَ الْحِسَابِ.
وَتَفَرَّعَ عَلَى هَذِهِ التَّوْطِئَةِ بِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ الْمُتَوَسَّلُ إِلَيْهِ مِنْهَا وَهُوَ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ لِلَّذِينِ تَابُوا لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ عَلِمَ صِدْقَ تَوْبَةِ مَنْ تَابَ مِنْهُمْ وَكَانَتْ رَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدِ اسْتَحَقُّوا أَنْ تَشْمَلَهُمْ رَحْمَتُهُ لِأَنَّهُمْ أَحْرِيَاءُ بِهَا.
وَمَفْعُولُ فَاغْفِرْ مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ، أَيِ اغْفِرْ لَهُمْ مَا تَابُوا مِنْهُ، أَيْ ذُنُوبَ الَّذِينَ تَابُوا. وَالْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ: الْإِقْلَاعُ عَنِ الْمَعَاصِي وَأَعْظَمُهَا الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 91
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست