responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 313
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ فِي الِاحْتِجَاجِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ [الشُّعَرَاء: 198، 199] ، أَيْ لَوْ نَزَّلْنَاهُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ بِالْعَرَبِيَّةِ، لِاشْتِرَاكِ الْحُجَّتَيْنِ فِي صِفَةِ الْأُمِّيَّةِ فِي اللُّغَةِ الْمَفْرُوضِ إِنْزَالُ الْكِتَابِ بِهَا، إِلَّا أَنَّ تِلْكَ الْآيَة بيّنت عَلَى فَرْضِ أَنْ يَنْزِلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولٍ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ، وَهَذِهِ الْآيَةُ بُنِيَتْ عَلَى فَرْضِ أَنْ يَنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى الرَّسُول الْعَرَبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُغَةٍ غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى عُمُومِ رِسَالَة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَلَمْ يَكُنْ عَجَبًا أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ بِلُغَةِ غَيْرِ الْعَرَبِ لَوْلَا أَنَّ فِي إِنْزَالِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ حِكْمَةً عَلِمَهَا اللَّهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمَّا اصْطفى الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَبِيًّا وَبَعَثَهُ بَيْنَ أُمَّةٍ عَرَبِيَّةٍ كَانَ أَحَقُّ اللُّغَاتِ بِأَنْ يُنْزِلَ بِهَا كِتَابَهُ إِلَيْهِ الْعَرَبِيَّةَ، إِذْ لَوْ نَزَلَ كِتَابُهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لَاسْتَوَتْ لُغَاتُ الْأُمَمِ كُلُّهَا فِي اسْتِحْقَاقِ نُزُولِ الْكِتَابِ بِهَا فَأَوْقَعَ ذَلِكَ تحاسدا بَينهَا لِأَن بَينهم من سوابق الْحَوَادِث فِي التَّارِيخ مَا يثير الْغيرَة والتحاسد بَينهم بِخِلَافِ الْعَرَبِ إِذْ كَانُوا فِي عزلة عَن بَقِيَّة الْأُمَمِ، فَلَا جَرَمَ رُجِّحَتِ الْعَرَبِيَّةُ لِأَنَّهَا لُغَة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولغة الْقَوْمِ الْمُرْسَلِ بَيْنَهُمْ فَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَبْقَى الْقَوْمُ الَّذِينَ يَدْعُوهُمْ لَا يَفْقَهُونَ الْكِتَابَ الْمُنَزَّلَ إِلَيْهِمْ.
وَلَوْ تَعَدَّدَتِ الْكُتُبُ بِعَدَدِ اللُّغَاتِ لَفَاتَتْ مُعْجِزَةُ الْبَلَاغَةِ الْخَاصَّةِ بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّ الْعَرَبِيَّةَ أَشْرَفُ اللُّغَاتِ وَأَعْلَاهَا خَصَائِصَ وَفَصَاحَةً وَحُسْنَ أَدَاءٍ لِلْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ بِالْأَلْفَاظِ الْوَجِيزَةِ.
ثُمَّ الْعَرَبُ هُمُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ نَشْرَ هَذَا الدِّينِ بَيْنَ الْأُمَمِ وَتَبْيِينَ مَعَانِي الْقُرْآنِ لَهُمْ. وَوَقَعَ فِي «تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ» عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ: لَوْلَا أُنْزِلَ هَذَا الْقُرْآنُ أَعْجَمِيًّا وَعَرَبِيًّا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى غَيْرِ مَذْهَبِ
الِاسْتِفْهَامِ اهـ. وَلَا أَحسب هَذَا إِلَّا تَأْوِيلًا لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْنِدْهُ إِلَى رَاوٍ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْ غَيْرِهِ فَرَأَى أَن الْآيَة تنبىء عَنْ جَوَابِ كَلَامٍ صَدَرَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ الْمُعَبَّرِ عَنْهُمْ بِضَمِيرِ لَقالُوا. وَسِيَاقُ الْآيَةِ وَلَفْظُهَا يَنْبُو عَنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَكَيْفَ ولَوْ الِامْتِنَاعِيَّةُ تَمْتَنِعُ مَنْ تَحَمُّلِ هَذَا التَّأْوِيلِ وَتَدْفَعُهُ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 313
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست