responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 222
تَكْذِيبُهُمْ وَاسْتِهْزَاؤُهُمْ إِلَى أَنْ رَأَوْا بأسنا فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ.
وَالْبَأْسُ: الشِّدَّةُ فِي الْمَكْرُوهِ، وَهُوَ جَامِعٌ لِأَصْنَافِ الْعَذَابِ كَقَوْلِه تَعَالَى: فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا [الْأَنْعَام: 42، 43] فَذَلِكَ الْبَأْسُ بِمَعْنَى الْبَأْسَاءِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: تَضَرَّعُوا وَهُوَ هُنَا يَقُولُ: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا فَالْبَأْسُ هُنَا الْعَذَابُ الْخَارِقُ لِلْعَادَةِ الْمُنْذِرُ بِالْفَنَاءِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْهُ عَلِمُوا أَنَّهُ الْعَذَابُ الَّذِي أُنْذِرُوهُ. وَفُرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا، أَيْ حِينَ شَاهَدُوا الْعَذَابَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ الْإِيمَانُ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ الْإِيمَانَ عِنْدَ نُزُولِ عَذَابِهِ.
وَعَدَلَ عَنْ أَنْ يُقَالَ: فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ، إِلَى قَوْلِهِ: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ لِدَلَالَةِ فِعْلِ الْكَوْنِ عَلَى أَنَّ خَبَرَهُ مُقَرَّرُ الثُّبُوتِ لِاسْمِهِ، فَلَمَّا أُرِيدَ نَفْيُ ثُبُوتِ النَّفْعِ إِيَّاهُمْ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِهِ اجْتَلَبَ لِذَلِكَ نَفْيَ فِعْلِ الْكَوْنِ الَّذِي خَبَرُهُ يَنْفَعُهُمْ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِيمَانَ بَعْدَ رُؤْيَةِ بَوَارِقِ الْعَذَابِ لَا يُفِيدُ صَاحِبَهُ مِثْلَ الْإِيمَانِ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ وَمِثْلَ الْإِيمَانِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا عَقِبَهُ.
سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ انتصب سُنَّتَ اللَّهِ عَلَى النِّيَابَةِ عَنِ الْمَفْعُولِ الْمُطلق لِأَن سُنَّتَ اسْمُ مَصْدَرِ السَّنِّ، وَهُوَ آتٍ بَدَلًا مِنْ فِعْلِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: سَنَّ اللَّهُ ذَلِكَ سُنَّةً، فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا جَوَابًا لِسُؤَالِ من يسْأَل لماذَا لَمْ يَنْفَعْهُمُ الْإِيمَانُ وَقَدْ آمَنُوا، فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ تَقْدِيرٌ قَدَّرَهُ اللَّهُ لِلْأُمَمِ السَّالِفَةِ أَعْلَمَهُمْ بِهِ وَشَرَطَهُ عَلَيْهِمْ فَهِيَ قَدِيمَةٌ فِي عِبَادِهِ لَا يَنْفَعُ الْكَافِرَ الْإِيمَانُ إِلَّا قَبْلَ ظُهُورِ الْبَأْسِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ قَالَ تَعَالَى: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [يُونُس: 98] .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 222
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست