responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 155
وَاسْتَحْفَظَهُمْ دَلِيلَهُ لِأَنَّهُمْ سَيَظْهَرُ لَهُمْ قَرِيبًا أَنَّ رَبَّ مُوسَى لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا ثِقَةً مِنْهُ بِأَنَّهُمْ سَيَرَوْنَ انْتِصَارَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَيَرَوْنَ صَرْفَ فِرْعَوْنَ عَنْ قَتْلِ مُوسَى بَعْدَ عَزْمِهِ عَلَيْهِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ مُوسَى هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الدُّنْيَا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْآخِرَةِ.
وَمَعْنَى لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ انْتِفَاءُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ إِلَيْهِ بِالْعِبَادَةِ أَوْ الِالْتِجَاءِ نَافِعًا لَا نَفْيَ وُقُوعِ الدَّعْوَةِ لِأَنَّ وُقُوعَهَا مَشَاهِدٌ. فَهَذَا مِنْ بَابِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَقَوْلُهُمْ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، أَيْ بِشَيْءٍ نَافِعٍ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ دَعْوَةٌ مَصْدَرٌ مُتَحَمِّلٌ مَعْنَى ضَمِيرِ فَاعِلٍ، أَيْ لَيْسَتْ دَعْوَةُ دَاعٍ، وَأَنَّ ضَمِيرَ لَهُ عَائِدٌ إِلَى (مَا) الْمَوْصُولَةُ، أَيْ لَا يَمْلِكُ دَعْوَةَ الدَّاعِينَ، أَيْ لَا يَمْلِكُ إِجَابَتَهُمْ.
وَعُطِفَتْ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ جُمْلَةُ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ عَطْفَ اللَّازِمِ عَلَى ملزومه لِأَنَّهُ إِذا تَبَيَّنَ أَنَّ رَبَّ مُوسَى الْمُسَمَّى (اللَّهَ) هُوَ الَّذِي لَهُ الدَّعْوَةُ، تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَرَدَّ أَيْ الْمَصِيرَ إِلَى اللَّهِ فِي الدُّنْيَا بِالِالْتِجَاءِ وَالِاسْتِنْصَارِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْحُكْمِ وَالْجَزَاءِ. وَلَوْ عُطِفَ مَضْمُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِالْفَاءِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّفْرِيعِ لَكَانَتْ حَقِيقَةٌ بِهَا، وَلَكِنْ عُدِلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى عَطْفِهَا بِالْوَاوِ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهَا لِتَكُونَ مُسْتَقِلَّةَ الدَّلَالَةِ بِنَفْسِهَا غَيْرَ بَاحِثٍ سَامِعُهَا عَلَى مَا تَرْتَبِطُ بِهِ، لِأَنَّ
الشَّيْءَ الْمُتَفَرِّعَ عَلَى شَيْءٍ يُعْتَبَرُ تَابِعًا لَهُ، كَمَا قَالَ الْأُصُولِيُّونَ فِي أَنَّ جَوَابَ السَّائِلِ غَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ بِنَفْسِهِ تَابِعٌ لِعُمُومِ السُّؤَالِ.
وَكَذَلِكَ جُمْلَةُ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَفَرُّعِ مَضْمُونِهَا عَلَى مَضْمُونِ جُمْلَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ كَانَ الْحُكْمُ وَالْجَزَاءُ بَيْنَ الصَّائِرِينَ إِلَيْهِ مِنْ مُثَابٍ وَمُعَاقَبٍ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُعَاقَبَ هُمْ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ.
فَالْإِسْرَافُ هُنَا: إِفْرَاطُ الْكُفْرِ، وَيَشْمَلُ مَا قِيلَ: إِنَّهُ أُرِيدُ هُنَا سَفْكُ الدَّمِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيَصْرِفَ فِرْعَوْنَ عَنْ قَتْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالْوَجْهُ أَنْ يَعُمَّ أَصْحَابَ الْجَرَائِمِ وَالْآثَامِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِيهِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الْمُفِيدِ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِالَّذِينِ يُخَاطِبُهُمْ إِذْ هُمْ مُسْرِفُونَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهُمْ مُسْرِفُونَ فِي إِفْرَاطِ كُفْرِهِمْ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 155
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست