responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 139
الْمَادِّيِّ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ الْوَحْدَانِيَّةِ وَاجِبَةٌ فِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ: إِمَّا بِالْعَقْلِ، أَوْ بِمَا تَوَاتَرَ بَيْنَ الْبَشَرِ مِنْ تَعَالِيمِ الرُّسُلِ السَّابِقِينَ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِينَ.
وَالْبَيِّنَاتُ: إِخْبَارُهُ بِمَا هُوَ مَغِيبٌ عَنْهُمْ مِنْ أَحْوَالِهِمْ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ فِي تَعْبِيرِ الرُّؤَى، وَكَذَلِكَ آيَةُ الْعِصْمَةِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مِنْ بَيْنِهِمْ وَشَهِدَتْ لَهُ بِهَا امْرَأَةُ الْعَزِيزِ وَشَاهِدُ أَهْلِهَا حَتَّى قَالَ الْمَلِكُ: ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي [يُوسُف: 54] ، فَكَانَتْ دَلَائِلُ نُبُوءَةِ يُوسُفَ وَاضِحَةً وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَخْلِصُوا مِنْهَا اسْتِدْلَالًا يَقْتَفُونَ بِهِ أَثَرَهُ فِي صَلَاحِ آخِرَتِهِمْ، وَحَرَصُوا عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي تَدْبِيرِ أُمُورِ دُنْيَاهُمْ فَأَوْدَعُوهُ خَزَائِنَ أَمْوَالِهِمْ وَتَدْبِيرَ مَمْلَكَتِهِمْ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ [يُوسُف: 54] . وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِمْ أَنْ يَسْتَرْشِدُوا بِهِ فِي سُلُوكِهِمُ الدِّينِيِّ. فَإِنْ قُلْتَ: إِذَا لَمْ يَهْتَدُوا إِلَى الِاسْتِرْشَادِ بِيُوسُفَ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ وَأَلْهَاهُمُ الِاعْتِنَاءُ بِتَدْبِيرِ الدُّنْيَا عَنْ تَدْبِير الدَّين فَلَمَّا ذَا لَمْ يَدْعُهُمْ يُوسُفُ إِلَى الِاعْتِقَادِ بِالْحَقِّ وَاقْتَصَرَ عَلَى أَنْ سَأَلَ مِنَ الْمَلِكِ: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يُوسُف: 55] .
قُلْتُ: لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالدَّعْوَةِ لِلْإِرْشَادِ إِلَّا إِذَا سُئِلَ مِنْهُ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا، فَأَقَامَهُ اللَّهُ مَقَامَ الْمُفْتِي وَالْمُرْشِدِ لِمَنِ اسْتَرْشَدَ لَا مَقَامَ الْمُحْتَسِبِ الْمُغَيِّرِ لِلْمُنْكَرِ، واللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ
رسالاته [الْأَنْعَام: 124] ، فَلَمَّا أَقَامَهُ اللَّهُ كَذَلِكَ وَعَلِمَ يُوسُفُ مِنْ قَوْلِ الْمَلِكِ: إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ [يُوسُف: 54] أَنَّ الْمَلِكَ لَا يُرِيدُ إِلَّا تَدْبِيرَ مَمْلَكَتِهِ وَأَمْوَالِهِ، لَمْ يَسْأَلْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَفِي لَهُ بِذَلِكَ. وَأَمَّا وُجُوبُ طَلَبِهِمُ الْمَعْرِفَةَ وَالِاسْتِرْشَادَ مِنْهُ فَذَلِكَ حَقٌّ عَلَيْهِمْ، فَمَعْنَى: فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ الْإِنْحَاءُ عَلَى أَسْلَافِهِمْ فِي قِلَّةِ الِاهْتِمَامِ بِالْبَحْثِ عَنِ الْكَمَالِ الْأَعْلَى وَهُوَ الْكَمَالُ النَّفْسَانِيُّ بِاتِّبَاعِ الدِّينِ الْقَوِيمِ، أَيْ فَمَا زَالَ أَسْلَافُكُمْ يَشْعُرُونَ بِأَنْ يُوسُفَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ مِنَ الْهُدَى غَيْرِ مَأْلُوفٍ لَهُمْ وَيُهْرَعُونَ إِلَيْهِ فِي مُهِمَّاتِهِمْ ثُمَّ لَا تَعْزِمُ نُفُوسُهُمْ عَلَى أَنْ يَطْلُبُوا مِنْهُ الْإِرْشَادَ فِي أُمُورِ الدِّينِ. فَهُمْ مِنْ أَمْرِهِ فِي حَالَةِ شَكٍّ، أَيْ كَانَ حَاصِلُ مَا بَلَغُوا إِلَيْهِ فِي شَأْنِهِ أَنَّهُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا يَكْشِفُ لَهُمْ
عَنْ وَاجِبِهِمْ نَحْوَهُ فَانْقَضَتْ مُدَّةُ حَيَاةِ يُوسُفَ بَيْنَهُمْ وَهُمْ فِي شَكٍّ مِنَ الْأَمْرِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 139
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست