responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 112
لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ، وَأَمَّا مَوَاقِعُ هَاتِهِ الْجُمَلِ الثَّلَاثِ فَإِنَّ جُمْلَةَ الْيَوْمَ تُجْزى إِلَخْ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الْبَيَانِ لِمَا فِي جُمْلَةِ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غَافِر: 16] وَجَوَابِهَا مِنْ إِجْمَالٍ، وَجُمْلَةُ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ مِنْ جُمْلَةِ الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ أَيْ جَزَاءً عَادِلًا لَا ظُلْمَ فِيهِ، أَيْ لَيْسَ فِيهِ أَقَلُّ شَوْبٍ مِنَ الظُّلْمِ حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ وُقُوعُ النَّكِرَةِ بَعْدَ لَا النَّافِيَةِ لِلْجِنْسِ.
وَتَعْرِيفُ الْيَوْمَ فِي قَوْلِهِ: الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ وَقَوْلِهِ: لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ نَظِيَرُ تَعْرِيفِ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غَافِر: 16] ، وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ
التَّعْلِيلِ لِوُقُوعِ الْجَزَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلِانْتِفَاءِ الظُّلْمِ عَنْ ذَلِكَ الْجَزَاءِ. وَتَأْخِيرُهَا عَنْ تَيْنِكَ الْجُمْلَتَيْنِ مُشِيرٌ إِلَى أَنَّهَا عِلَّةٌ لَهُمَا، فَحَرْفُ التَّوْكِيدِ وَاقِعٌ مَوْقِعَ فَاءِ السَّبَبِيَّةِ كَمَا هُوَ شَأْنُ إِنَّ إِذَا جَاءَتْ فِي غَيْرِ مَقَامِ رَدِّ الْإِنْكَارِ، فَسُرْعَةُ الْحِسَابِ تَقْتَضِي سُرْعَةَ الْحُكْمِ. وَسُرْعَةُ الْحُكْمِ تَقْتَضِي تَمَلُّؤَ الْحَاكِمِ مِنَ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ، وَمِنْ تَقْدِيرِ جَزَاءِ كُلِّ عَامِلٍ عَلَى عَمَلِهِ دُونَ تَرَدُّدٍ وَلَا بَحْثٍ لِأَنَّ الْحَاكِمَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، فَكَانَ قَوْلُهُ: سَرِيعُ الْحِسابِ عِلَّةً لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهُ فِي هَذَا الْغَرَضِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ مُحَاسِبُهُمْ حِسَابًا سَرِيعًا لِأَنَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ.
وَالْحِسَابُ مَصْدَرُ حَاسَبَ غَيْرَهُ إِذَا حَسِبَ لَهُ مَا هُوَ مَطْلُوبٌ بِإِعْدَادِهِ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ تَخْتَلِفُ فَتَارَةً يَكُونُ الْحِسَابُ لِقَصْدِ اسْتِحْضَارِ أَشْيَاءَ كَيْلَا يَضِيعَ مِنْهَا شَيْءٌ، وَتَارَةً يَكُونُ لِقَصْدِ تَوْقِيفِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَوْقِيفُهُ عَلَيْهَا، وَتَارَةً يَكُونُ لِقَصْدِ مُجَازَاةِ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا بِعَدْلِهِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَلِأَجْلِهِ سُمِّيَ يَوْمُ الْجَزَاءِ يَوْمَ الْحِسَابِ، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي [الشُّعَرَاء: 113] . وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِما كَسَبَتْ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ تُجْزَى بِسَبَبِ مَا كَسَبَتْ، أَيْ جَزَاءً مُنَاسِبًا لِمَا كَسَبَتْ، أَيْ عَمِلَتْ.
وَفِي الْآيَةِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ بَعْدَ تَبَيُّنِهِ لِلْقَاضِي بِدُونِ عُذْرٍ ضرب من ضروب الْجَوْرِ لِأَنَّ الْحَقَّ إِنْ كَانَ حَقَّ الْعِبَادِ فَتَأْخِيرُ الْحُكْمِ لِصَاحِبِ الْحَقِّ إِبْقَاءٌ لِحَقِّهِ بِيَدِ غَيْرِهِ، فَفِيهِ تَعْطِيلُ انْتِفَاعِهِ بِحَقِّهِ بُرْهَةً مِنَ الزَّمَانِ وَذَلِكَ ظُلْمٌ، وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْحَقِّ فِي حَاجَةٍ إِلَى تَعْجِيلِ حَقِّهِ لِنَفْعٍ مُعَطَّلٍ أَوْ لِدَفْعِ ضُرٍّ جَاثِمٍ، وَلَعَلَّهُ أَنْ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 112
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست