responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 107
رَفْعِ اللَّهِ دَرَجَاتِهِمْ كَقَوْلِهِ: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ فِي سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ [11] .
وذُو الْعَرْشِ خَبَرٌ ثَانٍ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ رَفْعَ الدَّرَجَاتِ مِنْهُ مُتَفَاوِتٌ.
كَمَا أَنَّ مَخْلُوقَاتِهِ الْعُلْيَا مُتَفَاوِتَةٌ فِي الْعِظَمِ وَالشَّرَفِ إِلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى الْعَرْشِ وَهُوَ أَعْلَى الْمَخْلُوقَاتِ كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ وَرَفَعَ الْعَرْشَ مَاذَا تُقَدِّرُونَ رَفْعَهُ دَرَجَاتِ عَابِدِيهِ عَلَى مَرَاتِبِ عِبَادَتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ.
وَجُمْلَةُ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ خَبَرٌ ثَالِثٌ، أَوْ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ جُمْلَةِ رَفِيعُ الدَّرَجاتِ فَإِنَّ مِنْ رَفْعِ الدَّرَجَاتِ أَنْ يَرْفَعَ بَعْضَ عِبَادِهِ إِلَى دَرَجَةِ النُّبُوءَةِ وَذَلِكَ أَعْظَمُ رَفْعِ الدَّرَجَاتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِبَادِهِ، فَبَدَلُ الْبَعْضِ هُوَ هُنَا أَهَمُّ أَفْرَادِ الْمُبَدَلِ مِنْهُ.
وَالْإِلْقَاءُ: حَقِيقَتُهُ رَمْيُ الشَّيْءِ مِنَ الْيَدِ إِلَى الْأَرْضِ، وَيُسْتَعَارُ لِلْإِعْطَاءِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُتَرَقَّبٍ، وَكَثُرَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ، قَالَ: فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ [النَّحْل: 86، 87] . وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِلْوَحْيِ لِأَنَّهُ يَجِيءُ فَجْأَةً عَلَى غَيْرِ تَرَقُّبٍ كَإِلْقَاءِ الشَّيْءِ إِلَى الْأَرْضِ.
وَالرُّوحُ: الشَّرِيعَةُ، وَحَقِيقَةُ الرُّوحِ: مَا بِهِ حَيَاةُ الْحَيِّ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَيُسْتَعَارُ لِلنَّفِيسِ مِنَ الْأُمُورِ وَلِلْوَحْيِ لِأَنَّهُ بِهِ حَيَاةُ النَّاسِ الْمَعْنَوِيَّةُ وَهِيَ كَمَالُهُمْ وَانْتِظَامُ أُمُورِهِمْ، فَكَمَا تُسْتَعَارُ الْحَيَاةُ لِلْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ، كَذَلِكَ يُسْتَعَارُ الرُّوحُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَيَاةِ لِكَمَالِ النُّفُوسِ وَسَلَامَتِهَا مِنَ الطَّوَايَا السَّيِّئَةِ، وَيُطْلَقُ الرُّوحُ عَلَى الْمَلَكِ قَالَ: فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
[مَرْيَم: 17] .
ومِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ فِي مِنْ أَمْرِهِ أَيْ بِأَمْرِهِ، فَالْأَمْرُ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَبْعِيضِيَّةً ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا صِفَةَ الرُّوحَ أَي بعض شؤونه الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِمَعْنَى الشَّأْن، أَي الشؤون الْعَجِيبَةِ، وَقِيلَ: مِنْ بَيَانِيَّةٌ وَأَنَّ الْأَمْرَ هُوَ الرُّوحُ وَهَذَا بِعِيدٌ.
وَهَذَهِ الْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ النُّبُوءَةَ غَيْرُ مُكْتَسَبَةٍ لِأَنَّهَا ابْتُدِئَتْ بِقَوْلِهِ:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 107
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست