responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 23  صفحه : 310
لَا يَرْجُو مِنْ مُعَانِدِيهِ أَجْرًا. وَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَقَوِّلِ مَا لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ انْتَقَلَ إِلَى إِثْبَاتِ أَنَّ الْقُرْآنَ ذِكْرٌ لِلنَّاسِ قَاطِبَةً فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ النَّاسِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ يَسْتَغْنِي اللَّهُ عَنْكُمْ بِأَقْوَامٍ آخَرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ [الزمر: 7] .
وَعُمُومُ الْعَالَمِينَ يُكْسِبُ الْجُمْلَةَ مَعْنَى التَّذْيِيلِ لِلْجُمْلَتَيْنِ قَبْلَهَا.
وَالْقَصْرُ الَّذِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ جُمْلَةُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ قَصْرُ قَلْبٍ إِضَافِيٍّ، أَيْ هُوَ ذِكْرٌ لَا أَسَاطِيرُ وَلَا سِحْرٌ وَلَا شِعْرٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا وَسَمُوا بِهِ الْقُرْآنَ مِنْ غَيْرِ صِفَاتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ.
وَجُمْلَةُ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ بِاعْتِبَارِ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْقَصْرُ مِنْ جَانِبِ الْإِثْبَاتِ، أَيْ وَسَتَعْلَمُونَ خَبَرَ هَذَا الْقُرْآنِ بَعْدَ زَمَانٍ عِلْمًا جَزْمًا فَيَزُولُ شَكُّكُمْ فِيهِ، فَالْكَلَامُ إِخْبَارٌ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى وُجُودِ نُونِ التَّوْكِيدِ.
وَالنَّبَأُ: الْخَبَرُ، وَأَصْلُ الْخَبَرِ: الصِّدْقُ، أَيْ الْمُوَافَقَةُ لِلْوَاقِعِ، فَإِذَا قِيلَ: أَتَانِي نَبَأُ كَذَا، فَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ عَنْ حَالِهِ فِي الْوَاقِعِ، فَإِضَافَةُ النَّبَأِ إِلَى مَا يُضَافُ إِلَيْهِ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ إِذْ مَعْنَى اللَّامِ هُوَ أَصلُ مَعَانِي الْإِضَافَةِ، قَالَ تَعَالَى: وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ [ص: 21] ، أَيْ سَتَعْلَمُونَ صِدْقَ وَصْفِ هَذَا الْقُرْآنِ أَنَّهُ الْحَقُّ، وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت: 53] . وَفُسِّرَ النَّبَأُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، أَيْ مَا أَنْبَأَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ إِنْذَارِكُمْ بِالْعَذَابِ، فَهُوَ تَهْدِيدٌ. وَكِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ وَاقِعٌ فَإِنَّ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ مَنْ عُجِّلَ لَهُ عَذَابُ السَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَبَقِيَّتُهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ رَأْيَ الْعَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ عَلِمُوا دُخُولَ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ فَمَاتُوا بِغَيْظِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ شَاهَدُوا فَتْحَ مَكَّةَ وَآمَنُوا، أَوْ رَأَوْا قَبَائِلَ الْعَرَبِ تَدْخُلُ فِي الدِّينِ أَفْوَاجًا فَعَلِمُوا نَبَأَ صِدْقِ الْقُرْآنِ وَمَا وَعَدَ بِهِ بَعْدَ حِينٍ فَازْدَادُوا إِيمَانًا.
وَحِينُ كُلِّ فَرِيقٍ مَا مَضَى عَلَيْهِ مِنْ زَمَنٍ بَيْنَ هَذَا الْخِطَابِ وَبَيْنَ تَحَقُّقِ الصِّدْقِ.
وَالْحِينُ: الزَّمَنُ مِنْ سَاعَةٍ إِلَى أَرْبَعِينَ سَنَةٍ. فَخَتَمَ الْكَلَامَ بِتَسْجِيلِ التَّبْلِيغِ وَأَنَّ فَائِدَةَ مَا أَبْلَغَهُمْ لَهُمْ لَا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَخَتَمَ بِالْمُوَاعَدَةِ لِوَقْتِ يَقِينِهِمْ بِنَبِيئِهِ، وَهَذَا مُؤْذِنٌ بِانْتِهَاءِ الْكَلَامِ وَمُرَاعَاةِ حُسْنِ الْخِتَامِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 23  صفحه : 310
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست