responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 22  صفحه : 303
فَالْغِرْبِيبُ يَدُلُّ عَلَى أَشَدَّ مِنْ مَعْنَى أَسْوَدَ، فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ غَرابِيبُ مُتَأَخِّرًا عَنْ سُودٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: أَسْوَدُ غِرْبِيبٌ، كَمَا يَقُولُونَ: أَبْيَضُ يَقَقٌ وَأَصْفَرُ فَاقِعٌ وَأَحْمَرُ قَانٍ، وَلَا يَقُولُونَ: غِرْبِيبٌ أَسَوْدُ وَإِنَّمَا خُولِفَ ذَلِكَ لِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَوَاصِلِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْوَاوِ وَالْيَاءِ السَّاكِنَتَيْنِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر: 15] ، عَلَى أَنَّ فِي دَعْوَى أَن يكون غربيبا تَابِعًا لِأَسْوَدَ نَظَرًا وَالْآيَةُ تُؤَيِّدُ هَذَا النَّظَرَ، وَدَعْوَى كَوْنِ غَرابِيبُ صِفَةً لِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ سُودٌ تَكَلُّفٌ وَاضِحٌ، وَكَذَلِكَ دَعْوَى الْفَرَّاءِ: أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَغَرَضُ التَّوْكِيدِ حَاصِلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
[28]

[سُورَة فاطر (35) : آيَة 28]
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ.
مَوْقِعُهُ كَمَوْقِعِ قَوْلِهِ: وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ [فاطر: 27] ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسَوِّغُ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ غَيْرَ مُفِيدٍ مَعْنًى آخَرَ فَإِنَّ تَقْدِيمَ الْخَبَرِ هُنَا سَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِالنَّكِرَةِ.
وَاخْتِلَافُ أَلْوَانِ النَّاسِ مِنْهُ اخْتِلَافٌ عَامٌّ وَهُوَ أَلْوَانُ أَصْنَافِ الْبَشَرِ وَهِيَ الْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَصْفَرُ وَالْأَحْمَرُ حَسَبَ الِاصْطِلَاحِ الْجُغْرَافِيِّ. وَلِلْعَرَبِ فِي كَلَامِهِمْ تَقْسِيمٌ آخَرُ لِأَلْوَانِ أَصْنَافِ الْبَشَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ فِي سُورَةِ الرُّومِ [22] .
ومِنَ تَبْعِيضِيَّةٌ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُخْتَلِفَ أَلْوَانُهُ بَعْضٌ مِنَ النَّاسِ، وَمَجْمُوعُ الْمُخْتَلِفَاتِ كُلُّهُ هُوَ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ وَالْأَنْعَامُ، وَهُوَ نَظْمٌ دَقِيقٌ دَعَا إِلَيْهِ الْإِيجَازُ.
وَجِيءَ فِي جُمْلَةِ وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ [فاطر: 27] ومِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ بِالِاسْمِيَّةِ دُونَ الْفِعْلِيَّةِ كَمَا فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ أَلْوَانِ الْجِبَالِ وَالْحَيَوَانِ الدَّالِّ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْإِيجَادِ اخْتِلَافًا دَائِمًا لَا يَتَغَيَّرُ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ الْخَلْقِ وَعِنْدَ تَوَلُّدِ النَّسْلِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 22  صفحه : 303
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست