responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 90
التَّوْحِيدَ هُوَ الْفِطْرَةُ، وَالْإِشْرَاكُ تَبْدِيلٌ لِلْفِطْرَةِ. وَالْفِطْرَةُ أَصْلُهُ اسْمُ هَيْئَةٍ مِنَ الْفَطْرِ وَهُوَ الْخَلْقُ مِثْلَ الْخِلْقَةِ كَمَا بَيَّنَهُ قَوْلُهُ الَّتِي فَطَرَ
النَّاسَ عَلَيْها
أَيْ جَبَلَ النَّاسَ وَخَلَقَهُمْ عَلَيْهَا، أَيْ مُتَمَكِّنِينَ مِنْهَا. فَحَرْفُ الِاسْتِعْلَاءِ مُسْتَعَارٌ لِتَمَكُّنِ مُلَابَسَةِ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ تَمَكُّنًا يُشْبِهُ تَمَكُّنَ الْمُعْتَلِي عَلَى شَيْءٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [5] ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى: الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ بِهَا.
وَمَعْنَى فَطَرَ النَّاسَ عَلَى الدِّينِ الْحَنِيفِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ النَّاسَ قَابِلَيْنِ لِأَحْكَامِ هَذَا الدِّينِ وَجَعَلَ تَعَالِيمَهُ مُنَاسِبَةً لِخِلْقَتِهِمْ غَيْرَ مُجَافِيَةٍ لَهَا، غَيْرَ نَائِينَ عَنْهُ وَلَا مُنْكِرِينَ لَهُ مِثْلَ إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ لِأَنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ الَّذِي يُسَاوِقُ الْعَقْلَ وَالنَّظَرَ الصَّحِيحَ حَتَّى لَوْ تُرِكَ الْإِنْسَانُ وَتَفْكِيرُهُ وَلَمْ يُلَقَّنِ اعْتِقَادًا ضَالًّا لَاهْتَدَى إِلَى التَّوْحِيدِ بِفِطْرَتِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَيِ الْفِطْرَةِ أَنَّهَا الْخِلْقَةُ وَالْهَيْئَةُ الَّتِي فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ الَّتِي هِيَ مُعَدَّةٌ وَمُهَيَّئَةٌ لِأَنْ يُمَيِّزَ بِهَا مَصْنُوعَاتِ اللَّهِ، وَيَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى رَبِّهِ وَيَعْرِفُ شَرَائِعَهُ. اهـ.
وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ أَتْقَنَ الْإِفْصَاحَ عَنْ مَعْنَى كَوْنِ الْإِسْلَامِ هُوَ الْفِطْرَةُ فَأُبَيِّنُهُ: بِأَنَّ الْفِطْرَةَ هِيَ النِّظَامُ الَّذِي أَوْجَدَهُ اللَّهُ فِي كُلِّ مَخْلُوقٍ، وَالْفِطْرَةُ الَّتِي تَخُصُّ نَوْعَ الْإِنْسَانِ هِيَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ جَسَدًا وَعَقْلًا، فَمَشْيُ الْإِنْسَانِ بِرِجْلَيْهِ فِطْرَةٌ جَسَدِيَّةٌ، وَمُحَاوَلَتُهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْأَشْيَاءَ بِرِجْلَيْهِ خِلَافَ الْفِطْرَةِ الْجَسَدِيَّةِ، وَاسْتِنْتَاجُ الْمُسَبِّبَاتِ مِنْ أَسْبَابِهَا وَالنَّتَائِجِ مِنْ مُقَدِّمَاتِهَا فِطْرَةٌ عَقْلِيَّةٌ، وَمُحَاوَلَةُ اسْتِنْتَاجِ أَمْرٍ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ خِلَافُ الْفِطْرَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي عِلْمِ الِاسْتِدْلَالِ بِفَسَادِ الْوَضْعِ، وَجَزْمُنَا بِأَنَّ مَا نُبْصِرُهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ هُوَ حَقَائِقُ ثَابِتَةٌ فِي الْوُجُودِ وَنَفْسُ الْأَمْرِ فِطْرَةٌ عَقْلِيَّةٌ، وَإِنْكَارُ السُّوفِسْطَائِيَّةِ ثُبُوتَ الْمَحْسُوسَاتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ خِلَافَ الْفِطْرَةِ الْعَقْلِيَّةِ.
وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو عَلِيِّ ابْن سِينَا حَقِيقَةَ الْفِطْرَةِ فِي كِتَابِهِ «النَّجَاةِ» فَقَالَ: «وَمَعْنَى الْفِطْرَةِ أَنْ يَتَوَهَّمَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ حَصَلَ فِي الدُّنْيَا دَفْعَةً وَهُوَ عَاقِلٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ رَأْيًا وَلَمْ يَعْتَقِدْ مَذْهَبًا وَلَمْ يُعَاشِرْ أُمَّةً وَلَمْ يَعْرِفْ سِيَاسَةً، وَلَكِنَّهُ شَاهَدَ الْمَحْسُوسَاتِ وَأَخَذَ مِنْهَا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 90
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست