responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 61
وَإِذْ كَانَ نُزُولُ أَوَّلِ السُّورَةِ عَلَى سَبَبِ ابْتِهَاجِ الْمُشْرِكِينَ لِتَغَلُّبِ الْفُرْسِ عَلَى الرُّومِ فَقَطَعَ اللَّهُ تَطَاوُلَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ أَخْبَرَ أَنَّ عَاقِبَةَ النَّصْرِ لِلرُّومِ عَلَى الْفُرْسِ نَصْرًا بَاقِيًا، وَكَانَ مَثَارُ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ مَيْلَ كُلِّ فَرِيقٍ إِلَى مُقَارِبِهِ فِي الدِّينِ جُعِلَ ذَلِكَ الْحَدَثُ مُنَاسَبَةً لِإِفَاضَةِ الِاسْتِدْلَالِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى إِبْطَالِ دِينِ الشِّرْكِ.
وَقَدْ فُصِّلَتْ هَذِهِ الدَّلَائِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ اسْتِئْنَافَاتٍ مُتَمَاثِلَةِ الْأُسْلُوبِ، ابْتُدِئَ كل وَاحِد مِنْهَا بِاسْمِ الْجَلَالَةِ مُجْرًى عَلَيْهِ أَخْبَارٌ عَنْ حَقَائِقَ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِدَحْضِهَا لِأَنَّهُمْ لَا يَسَعُهُمْ إِلَّا الْإِقْرَارُ بِبَعْضِهَا أَوِ الْعَجْزُ عَنْ نَقْضِ دَلِيلِهَا.
فَالِاسْتِئْنَافُ الْأَوَّلُ الْمَبْدُوءُ بقوله اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَالثَّانِي الْمَبْدُوءُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ [الرّوم: 40] ، وَالثَّالِثُ الْمَبْدُوءُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ [الرّوم: 48] ، وَالرَّابِعُ الْمَبْدُوءُ بِقَوْلِهِ: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ [الرّوم: 54] .
فَأَمَّا قَوْله: اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَاسْتِدْلَالٌ بِمَا لَا يَسَعُهُمْ إِلَّا الِاعْتِرَافُ بِهِ وَهُوَ بَدْءُ الْخَلْقِ إِذْ لَا يُنَازِعُونَ فِي أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ خَالِقُ الْخَلْقِ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ [الرَّعْد: 16] الْآيَةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَهُوَ إِدْمَاجٌ لِأَنَّهُ إِذَا سُلِّمَ لَهُ بَدْءُ الْخَلْقِ كَانَ تَسْلِيمُ إِعَادَتِهِ أَوْلَى وَأَجْدَرَ. وَحَسَّنَ مَوْقِعَ الِاسْتِئْنَافِ وُرُودُهُ بَعْدَ ذِكْرِ أُمَمٍ غَابِرَةٍ وَأُمَمٍ حَاضِرَةٍ خَلَفَ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مِثَالًا لِإِعَادَةِ الْأَشْخَاصِ بَعْدَ فَنَائِهَا وَذِكْرِ عَاقِبَةِ مَصِيرِ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ فِي الْعَاجِلَةِ، نَاسَبَ فِي مَقَامِ الِاعْتِبَارِ أَنْ يُقَامَ لَهُمُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ لِيَقَعَ ذِكْرُ مَا يَعْقُبُهُ مِنَ الْجَزَاءِ مَوْقِعَ الْإِقْنَاعِ لَهُمْ.
وَتَقْدِيمُ اسْمِ الْجَلَالَةِ عَلَى الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ لِمُجَرَّدِ التَّقَوِّي. وثُمَّ هُنَا لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ كَمَا هُوَ شَأْنُهَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ، وَذَلِكَ أَنَّ شَأْنَ الْإِرْجَاعِ إِلَى اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ إِعَادَةِ الْخَلْقِ إِذْ هُوَ الْمَقْصِدُ مِنَ الْإِعَادَةِ وَمِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ. فَالْخِطَابُ فِي تُرْجَعُونَ لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 61
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست