responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 292
لَكُمْ مِنْ نُفُوذِ مُرَادِهِ فِيكُمْ. وَإِعَادَةُ فِعْلِ قُلْ تَكْرِيرٌ لِأَجْلِ الِاهْتِمَامِ بِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ.
وَالْمَعْنَى: لِأَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ وَإِرَادَتَهُ مُحِيطَةٌ بِالْمَخْلُوقَاتِ فَمَتَى شَاءَ عَطَّلَ تَأْثِيرَ الْأَسْبَابِ أَوْ عَرْقَلَهَا بِالْمَوَانِعِ فَإِنْ يَشَأْ شَرًّا حَرَمَ الِانْتِفَاعَ بِالْأَسْبَابِ أَوِ الِاتِّقَاءَ بِالْمَوَانِعِ فَرُبَّمَا أَتَتِ الرَّزَايَا مِنْ وُجُوهِ الْفَوَائِدِ، وَمَتَى شَاءَ خَيْرًا خَاصًّا بِأَحَدٍ لَطَفَ لَهُ بِتَمْهِيدِ الْأَسْبَابِ وَتَيْسِيرِهَا حَتَّى يُلَاقِيَ مِنَ التَّيْسِيرِ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَرَقَّبًا، وَمَتَى لَمْ تَتَعَلَّقْ مَشِيئَتُهُ بِخُصُوصٍ أَرْسَلَ الْأَحْوَالَ فِي مَهْيَعِهَا وَخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ مَا سَبَّبَهُ فِي أَحْوَالِ الْكَائِنَاتِ فَنَالَ كُلُّ أَحَدٍ نَصِيبًا عَلَى حَسَبِ فِطْنَتِهِ وَمَقْدِرَتِهِ وَاهْتِدَائِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَوْدَعَ فِي النُّفُوسِ مَرَاتِبَ التَّفْكِيرِ وَالتَّقْدِيرِ فَأَنْتُمْ إِذَا عَصَيْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَخَذَلْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ تَتَعَرَّضُونَ لِإِرَادَتِهِ بِكُمُ السُّوءَ فَلَا عَاصِمَ لَكُمْ مِنْ مُرَادِهِ، فَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ فِي مَعْنَى النَّفْيِ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْحِيلَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْفَعُهُمْ وَأَنَّ الْفِرَارَ يَعْصِمُهُمْ مِنَ الْمَوْتِ إِنْ كَانَ قِتَالٌ.
وَجُمْلَةُ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ إِلَخْ جَوَابُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً إِلَخ، أَو دَلِيلُ الْجَوَابِ عِنْدَ نُحَاةِ الْبَصْرَةِ.
وَالْعِصْمَةُ: الْوِقَايَةُ وَالْمَنْعُ مِمَّا يَكْرَهُهُ الْمَعْصُومُ. وَقُوبِلَ السُّوءُ بِالرَّحْمَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ سُوءٌ خَاصٌّ وَهُوَ السُّوءُ الْمَجْعُولُ عَذَابًا لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سُوءُ النِّقْمَةِ فَهُوَ سُوءٌ خَاصٌّ مُقَدَّرٌ مِنَ اللَّهِ لِأَجْلِ تَعْذِيبِهِمْ إِنْ أَرَادَهُ، فَيَجْرِي عَلَى خِلَافِ الْقَوَانِينِ الْمُعْتَادَةِ.
وَعَطْفُ أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً عَلَى أَرادَ بِكُمْ الْمَجْعُولِ شَرْطًا يَقْتَضِي كَلَامًا مُقَدَّرًا فِي الْجَوَابِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّ إِرَادَتَهُ الرَّحْمَةَ تُنَاسِبُ فِعْلَ يَعْصِمُكُمْ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مَرْغُوبَةٌ.
فَالتَّقْدِيرُ: أَوْ يَحْرِمُكُمْ مِنْهُ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً، فَهُوَ مِنْ دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ إِيجَازًا لِلْكَلَامِ، كَقَوْلِ الرَّاعِي:
إِذَا مَا الْغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا ... وَزَجَّجْنَ الْحَوَاجِبَ وَالْعَيُونَا
تَقْدِيرُهُ: وَكَحَّلْنَ الْعُيُونَ، لِأَنَّ الْعُيُونَ لَا تُزَجَّجُ وَلَكِنَّهَا تُكَحَّلُ حِينَ تُزَجَّجُ الْحَوَاجِبُ وَذَلِكَ مِنَ التَّزَيُّنِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 292
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست