responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 223
الْعَمَلِ وَآلَاتِهِ مِنَ الْجَوَارِحِ وَالْأَعْضَاءِ إِذَا كَانَتْ سَلِيمَةً فَكَانَ بِذَلِكَ مُسْتَطِيعًا لِأَنْ يَعْمَلَ وَأَنْ لَا يَعْمَلَ عَلَى وِفَاقِ مَيْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَكَسْبِهِ. وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الْأَشْعَرِيُّ بِالْكَسْبِ وَبِالِاسْتِطَاعَةِ وَتَكَفَّلَ لَهُ بِإِعَانَتِهِ عَلَى مَا خَلَقَ لَهُ مِنَ الْإِدْرَاكِ يَدْعُوهُ إِلَى مَا يُرِيدُهُ اللَّهُ مِنْهُ مِنَ الْهُدَى وَالصَّلَاحِ فِي هَذَا الْعَالَمِ بِوَاسِطَةِ رُسُلٍ مِنْ نَوْعِهِ يُبَلِّغُونَ إِلَيْهِ مُرَادَ رَبِّهِمْ فَطَرَهُمْ عَلَى الصِّفَاتِ الْمَلَكِيَّةِ وَجَعَلَهُمْ وَسَائِطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فِي إِبْلَاغِ مُرَادِ رَبِّهِمْ إِلَيْهِمْ. وَوَعْدُهُ النَّاسَ بِالْجَزَاءِ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَفِعْلِ الشَّرِّ بِمَا فِيهِ بَاعِثٌ عَلَى الْخَيْرِ وَرَادِعٌ عَنِ الشَّرِّ.
وَقَدْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُفَضِّلَ هَذَا النَّوْعَ بِأَنْ يَجْعَلَ مِنْهُ عُمَّارًا لِعَالَمِ الْكَمَالِ الْخَالِدِ عَالَمِ الرُّوحَانِيَّاتِ فَجَعَلَ لِأَهْلِ الْكَمَالِ الدِّينِيِّ مَرَاتِبَ سَامِيَةً مُتَفَاوِتَةً فِي عَالَمِ الْخُلْدِ عَلَى تَفَاوُتِ نُفُوسِهِمْ فِي مَيْدَانِ السَّبْقِ إِلَى الْكَمَالَاتِ، وَجَعَلَ أَضْدَادَ هَؤُلَاءِ عُمَّارًا لِهُوَّةِ النَّقَائِصِ فَمَلَأَ مِنْهُمْ تِلْكَ الْهُوَّةَ الْمُسَمَّاةَ جَهَنَّمَ.
فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ الْبَالِغِ مِنَ الْإِيجَازِ مَبْلَغَ الْإِعْجَازِ، إِذْ حَذَفَ مُعْظَمَ مَا أُرِيدَ بِحَرْفِ الِاسْتِدْرَاكِ الْوَارِدِ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها فَإِنَّ مُقْتَضَى الِاسْتِدْرَاكِ أَنْ يُقَّدَّرَ: وَلَكِنَّا لَمْ نَشَأْ ذَلِكَ بَلْ شِئْنَا أَنْ نَخْلُقَ النَّاسَ مُخْتَارِينَ بَيْنَ طَرِيقَيِ الْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَوَضَعْنَا لَهُمْ دَوَاعِيَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، وَأَرَيْنَاهُمْ وَسَائِلَ النَّجَاةِ وَالِارْتِبَاكِ بِالشَّرَائِعِ قَالَ تَعَالَى: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [الْبَلَد: 10] أَيِ: الطَّرِيقَيْنِ، وَحَقَّقْنَا الْأَخْبَارَ عَنِ الْجَزَاءَيْنِ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ بِالْجَنَّةِ وَجَهَنَّمَ فَلْأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ بِأَهْلِ الضَّلَالِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَدَخَلَ هَذَا فِي قَوْله [تَعَالَى] : حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ بِمَا يُشْبِهُ دَلَالَةَ الِاقْتِضَاءِ، وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَى هَذَا قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ لَهَا مِلْأَهَا وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لَهَا مِلْأَهَا» . وَإِنَّمَا اخْتِيرَ الِاقْتِصَارُ فِي الْمَنْطُوقِ بِهِ الدَّالِّ عَلَى الْمَحْذُوفِ عَلَى
شِقِّ مَصِيرِ أَهْلِ الضَّلَالِ لِأَنَّهُ الْأَنْسَبُ بِسِيَاقِ الِاعْتِرَاضِ إِثْرَ كَلَامِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فِي يَوْمِ الْجَزَاءِ، وَلِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي تَعَلُّقِ مَضْمُونِ جُمْلَةِ الِاعْتِرَاضِ بِمَضْمُونِ اقْتِرَاحِهِمْ، أَيْ لَوْ كَانَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 223
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست