responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 217
فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ [ص: 72] . وَذِكْرُ التَّسْوِيَةِ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِي جَانِبِ النَّسْلِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ أَصْلَهُ كَذَلِكَ، فَالْكَلَامُ إِيجَازٌ.
وَإِضَافَةُ الرُّوحِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ لِلتَّنْوِيهِ بِذَلِكَ السِّرِّ الْعَجِيبِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ تَكْوِينَهُ إِلَّا هُوَ تَعَالَى، فَالْإِضَافَةُ تُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ أَشَدِّ الْمَخْلُوقَاتِ اخْتِصَاصًا بِاللَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَالْمَخْلُوقَاتُ كُلُّهَا لِلَّهِ.
وَالنَّفْخُ: تَمْثِيلٌ لِسَرَيَانِ اللَّطِيفَةِ الرُّوحَانِيَّةِ فِي الْكَثِيفَةِ الْجَسَدِيَّةِ مَعَ سُرْعَةِ الْإِيدَاعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [29] .
وَالِانْتِقَالُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلَ لَكُمُ الْتِفَاتٌ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ مِنْ أَفْرَادِ النَّاسِ وَجَعْلَ السَّمْعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَفْئِدَةِ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ غَيْرُ خَاصٍّ بِالْمُخَاطَبِينَ فَلَمَّا انْتَهَضَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَإِتْقَانِ الْمُرَادِ مِنَ الْمَصْنُوعَاتِ المتحدث عَنْهُم بطرِيق الْغَيْبَةِ الشَّامِلِ لِلْمُخَاطَبِينَ وَغَيْرِهِمْ نَاسَبَ أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَى الْحَاضِرِينَ بِنَقْلِ الْكَلَامِ إِلَى الْخِطَابِ لِأَنَّهُ آثَرُ بِالِامْتِنَانِ وَأَسْعَدُ بِمَا يَرِدُ بَعْدَهُ مِنَ التَّعْرِيضِ بِالتَّوْبِيخِ فِي قَوْلِهِ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ.
وَالِامْتِنَانُ بِقُوَى الْحَوَاسِّ وَقُوَى الْعَقْلِ أَقْوَى مِنَ الِامْتِنَانِ بِالْخَلْقِ وَتَسْوِيَتِهِ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْحَوَاسِّ وَالْإِدْرَاكِ مُتَكَرِّرٌ مُتَجَدِّدٌ فَهُوَ مَحْسُوسٌ بِخِلَافِ التَّكْوِينِ وَالتَّقْوِيمِ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى النَّظَرِ فِي آثَارِهِ.
وَالْعُدُولُ عَنْ أَنْ يُقَالَ: وَجَعَلَكُمْ سَامِعِينَ مُبْصِرِينَ عَالِمِينَ إِلَى جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْرَقُ فِي الْفَصَاحَةِ، وَلِمَا تُؤْذِنُ بِهِ اللَّامُ مِنْ زِيَادَةِ الْمِنَّةِ فِي هَذَا الْجَعْلِ إِذْ كَانَ جَعْلًا لِفَائِدَتِهِمْ وَلِأَجْلِهِمْ، وَلِمَا فِي تَعْلِيقِ الْأَجْنَاسِ مِنَ السَّمْعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَفْئِدَةِ بِفِعْلِ الْجَعْلِ مِنَ الرَّوْعَةِ وَالْجَلَالِ فِي تَمَكُّنِ التَّصَرُّفِ، وَلِأَنَّ كَلِمَةَ الْأَفْئِدَةَ أَجْمَعُ مِنْ كَلِمَةِ عَاقِلِينَ لِأَنَّ الْفُؤَادَ يَشْمَلُ الْحَوَاسَّ الْبَاطِنَةَ كُلَّهَا وَالْعَقْلُ بَعْضٌ مِنْهَا.
وَأَفْرَدَ السَّمْعَ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ لَا يُجْمَعُ، وَجَمَعَ الْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ النَّاسِ. وَتَقْدِيمُ السَّمْعِ عَلَى الْبَصَرِ تَقَدَّمَ وَجْهُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 217
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست