responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 190
مَدْلُولِهَا هُوَ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ، ثَنَاءً عَلَى هَذَا الْفَرِيقِ صَرِيحًا، وَتَعْرِيضًا بِالَّذِينَ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِدَلَالَتِهَا. وَاقْتِرَانُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ أَنَّ لِأَنَّهُ يُفِيدُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ معنى التَّعْلِيل والتسبب. وَجَعَلَ ذَلِكَ عِدَّةَ آيَاتٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ دَلَائِلَ كَثِيرَةً، أَيِ: الَّذِينَ لَا يُفَارِقُهُمُ الْوَصْفَانِ.
وَالصَّبَّارُ: مُبَالَغَةٌ فِي الْمَوْصُوفِ بِالصَّبْرِ، وَالشَّكُورُ كَذَلِكَ، أَيِ: الَّذِينَ لَا يُفَارِقُهُمُ الْوَصْفَانِ. وَهَذَانِ وَصْفَانِ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ فِي الصَّبْرِ لِلضَّرَّاءِ وَالشُّكْرِ لِلسَّرَّاءِ إِذْ يرجون بهما رِضَى اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يَتَوَكَّلُونَ إِلَّا عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الضُّرِّ وَالزِّيَادَةِ مِنَ الْخَيْرِ. وَقَدْ تَخَلَّقُوا بِذَلِكَ بِمَا سَمِعُوا مِنَ التَّرْغِيبِ فِي الْوَصْفَيْنِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ ضِدَّيْهِمَا قَالَ: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ [الْبَقَرَة: 177] ، وَقَالَ: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إِبْرَاهِيم: 7] فَهُمْ بَيْنَ رَجَاءِ الثَّوَابِ وَخَوْفِ الْعِقَابِ لِأَنَّهُمْ آمَنُوا بِالْحَيَاةِ الْخَالِدَةِ ذَاتِ الْجَزَاءِ وَعَلِمُوا أَنَّ مَصِيرَهُمْ إِلَى اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ وَنَهَى، فَصَارَا لَهُمْ خُلُقًا تَطَبَّعُوا عَلَيْهِ فَلَمْ يُفَارِقَاهُمُ الْبَتَّةَ أَوْ إِلَّا نَادِرًا فَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَنَظَرُهُمْ قَاصِرٌ عَلَى الْحَيَاةِ الْحَاضِرَةِ فَهُمْ أُسَرَاءُ الْعَالَمِ الْحِسِّيِّ فَإِذَا أَصَابَهُمْ ضُرٌّ ضَجِرُوا وَإِذَا أَصَابَهُمْ نَفْعٌ بَطَرُوا، فَهُمْ أَخْلِيَاءُ مِنَ الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ، فَلِذَلِكَ كَانَ
قَوْلُهُ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ كِنَايَةً رَمْزِيَّةً عَنِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعْرِيضًا رَمْزِيًّا بِالْمُشْرِكِينَ. وَوَجْهُ إِيثَارِ خُلُقَيِ الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ هُنَا لِلْكِنَايَةِ بِهِمَا، من بَين شُعَبِ الْإِيمَانِ، أَنَّهُمَا أَنْسَبُ بِمَقَامِ السَّيْرِ فِي الْبَحْرِ إِذْ رَاكِبُ الْبَحْرِ بَيْنَ خَطَرٍ وَسَلَامَةٍ وَهُمَا مَظْهَرُ الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ يُونُسَ [22] .
وَفِي قَوْلِهِ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ حُسْنُ التَّخَلُّصِ إِلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي عَقَّبَهُ فِي قَوْلِهِ وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ الْآيَةَ، فَعُطِفَ عَلَى آيَاتِ سَيْرِ الْفُلْكِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ النَّاسَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عِنْدَ تِلْكَ الْآيَاتِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ، وَغَفْلَتِهِمْ عَنْهَا فِي حَالِ السَّلَامَةِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ [65] : فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 190
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست