responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 113
وَالْإِذَاقَةُ: اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ شَبَّهَ مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْآلَامِ فَيُحِسُّونَ بِهَا بِإِصَابَةِ الطَّعَامِ حَاسَّةَ الْمَطْعَمِ. وَلَمَّا كَانَ مَا عَمِلُوهُ لَا يُصِيبُهُمْ بِعَيْنِهِ تَعَيَّنَ أَنَّ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا أُطْلِقَ عَلَى جَزَاءِ الْعَمَلِ وَلِذَلِكَ فَالْبَعْضِيَّةُ تَبْعِيضٌ لِلْجَزَاءِ، فَالْمُرَادُ بَعْضُ الْجَزَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْعَمَلِ لَا الْجَزَاءُ عَلَى بَعْضِ الْعَمَلِ، أَيْ أَنَّ مَا يُذِيقُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ هُوَ بَعْضُ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ. وَفِي هَذَا تَهْدِيدٌ إِنْ لَمْ يُقْلِعُوا عَنْ مَسَاوِئِ أَعْمَالِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فاطر: 45] ، ثُمَّ وَرَاءَ ذَلِكَ عَذَابُ الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى [طه: 127] .
وَالْعُدُولُ عَنْ أَنْ يُقَالَ: بَعْضُ أَعْمَالِهِمْ إِلَى بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لِلْإِيمَاءِ إِلَى مَا فِي الْمَوْصُولِ مِنْ قُوَّةِ التَّعْرِيفِ، أَيْ أَعْمَالُهُمُ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَهُمُ الْمُتَقَرَّرُ صُدُورُهَا مِنْهُمْ.
وَالرَّجَاءُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ (لَعَلَّ) يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ فَسَادٍ كَافٍ لِإِقْلَاعِهِمْ عَمَّا هُمُ اكْتَسَبُوهُ، وَأَنَّ حَالَهُمْ حَالُ مَنْ يُرْجَى رُجُوعُهُ فَإِنْ هُمْ لَمْ يَرْجِعُوا فَقَدْ تَبَيَّنَ تَمَرُّدُهُمْ وَعَدَمُ إِجْدَاءِ الْمَوْعِظَةِ فِيهِمْ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التَّوْبَة: 126] .
وَالرُّجُوعُ مُسْتَعَارٌ لِلْإِقْلَاعِ عَنِ الْمَعَاصِي كَأَنَّ الَّذِي عَصَى رَبَّهُ عَبْدٌ أَبَقَ عَنْ سَيِّدِهِ، أَوْ دَابَّةٌ قَدْ أَبَدَتْ، ثُمَّ رَجَعَ. وَفِي الحَدِيث «الله أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلِ نَزَلَ مَنْزِلًا وَبِهِ مَهْلَكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي، فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا دَابَّتُهُ عِنْدَهُ» .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لِيُذِيقَهُمْ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، أَيْ لِيُذِيقَهُمُ اللَّهُ. وَمَعَادُ الضَّمِيرِ قَوْلُهُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ [الرّوم: 40] . وَقَرَأَهُ قَنْبَلٌ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وَرَوْحٌ عَنْ عَاصِمٍ بنُون العظمة.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 113
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست