responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 98
سَلَامَةٌ، وَهِيَ تَمْثِيلِيَّةٌ بَدِيعَةٌ لِأَنَّهَا الْهَيْئَةُ الْمُشَبَّهَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى سَبْعَةِ أَشْيَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونَ مُشَبَّهًا بِوَاحِدٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَيْهَا الْهَيْئَةُ الْمُشَبَّهُ بِهَا وَهِيَ: تَشْبِيهُ الْمُشْرِكِ فِي عِبَادَتِهِ الْأَصْنَامَ وَاتِّبَاعِ دِينِهَا بِالْمُرْتَقِي بِجَامِعِ السَّعْيِ، وَتَشْبِيهُ الْعِبَادَةِ وَقَبُولِ الْآلِهَةِ مِنْهُ بِالْحَبْلِ الْمُوَصِّلِ، وَتَشْبِيهُ النَّعِيمِ وَالثَّوَابِ بِالثَّمَرَةِ فِي أَعْلَى النَّخْلَةِ لِأَنَّهَا لَا يَصِلُ لَهَا الْمَرْءُ إِلَّا بَعْدَ طُولٍ وَهُوَ مُدَّةُ الْعُمُرِ، وَتَشْبِيهُ الْعُمُرِ بِالنَّخْلَةِ فِي الطُّولِ، وَتَشْبِيهُ الحرمان من الْمَوْصُول للنعيم بتقطع الْحَبْلِ، وَتَشْبِيهُ الْخَيْبَةِ بِالْبُعْدِ عَنِ الثَّمَرَةِ، وَتَشْبِيهُ الْوُقُوعِ فِي الْعَذَابِ بِالسُّقُوطِ الْمُهْلِكِ. وَقَلَّمَا تَأْتِي فِي التَّمْثِيلِيَّةِ صُلُوحِيَّةِ أَجْزَاءِ التَّشْبِيهِ الْمُرَكَّبِ فِيهَا لِأَنْ تَكُونَ تَشْبِيهَاتٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَالْوَارِدُ فِي ذَلِكَ يَكُونُ فِي أَشْيَاءَ قَلِيلَةٍ كَقَوْلِ بِشَارٍ الَّذِي يُعَدُّ مِثَالًا فِي الْحُسْنِ:
كَأَنَّ مُثَارَ النّقع فَوق رؤسنا ... وَأَسْيَافَنَا لَيْلٌ تَهَاوَى كَوَاكِبُهُ
فَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ أَكْثَرُ مِنْ تَشْبِيهَاتٍ ثَلَاثَةٍ.
فَالْبَاءُ فِي (بِهِمْ) لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ تَقَطَّعَتِ الْأَسْبَابُ مُلْتَبِسَةٌ بِهِمْ أَيْ فَسَقَطُوا، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ مَحَلُّ التَّشْبِيهِ لِأَنَّ الْحَبْلَ لَوْ تَقَطَّعَ غَيْرَ مُلَابِسٍ لِلْمُرْتَقِي عَلَيْهِ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ ضُرٌّ إِذْ يُمْسِكُ بِالنَّخْلَةِ وَيَتَطَلَّبُ سَبَبًا آخَرَ يَنْزِلُ فِيهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ وَتَقَطَّعَتْ أَسْبَابُهُمْ أَوْ نَحْوَهُ، فَمَنْ قَالَ إِنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى عَنْ أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوِ التَّعْدِيَةِ فَقَدْ بَعُدَ عَنِ الْبَلَاغَةِ، وَبِهَذِهِ الْبَاءِ تَقُومُ مَعْنَى التَّمْثِيلِيَّةِ بِالصَّاعِدِ إِلَى النَّخْلَةِ بِحَبْلٍ وَهَذَا الْمَعْنَى فَائِتٌ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
تَقَطَّعَ أَسْبَابُ اللُّبَانَةِ وَالْهَوَى ... عَشِيَّةَ جَاوَزْنَا حَمَاةَ وَشَيْزَرَا
وَقَوْلُهُ: وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا أَظْهَرُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِأَنَّ ضَمِيرَيِ الْغَيْبَةِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ عَائِدَانِ إِلَى مَجْمُوعِ الْفَرِيقَيْنِ، عَلَى أَنَّ فِي صِلَةِ الَّذِينَ اتُّبِعُوا تَنْبِيهًا عَلَى إِغَاظَةِ الْمَتْبُوعِينَ وَإِثَارَةِ حَسْرَتِهِمْ وَذَلِكَ عَذَابٌ نَفْسَانِيٌّ يُضَاعِفُ الْعَذَابَ الْجُثْمَانِيَّ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ.
وَ (لَوْ) فِي قَوْلِهِ: لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التَّمَنِّي وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ كَثِيرٌ لِحَرْفِ (لَوْ) وَأَصْلُهَا الشَّرْطِيَّةُ حُذِفَ شَرْطُهَا وَجَوَابُهَا وَاسْتُعِيرَتْ لِلتَّمَنِّي بِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْعَسِيرَ الْمَنَالِ يَكْثُرُ تَمَنِّيهِ، وَسَدَّ الْمَصْدَرُ مَسَدَّ الشَّرْطِ وَالْجَوَابِ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَوْ ثَبَتَتْ لَنَا كَرَّةٌ
لَتَبَرَّأْنَا مِنْهُمْ وَانْتَصَبَ مَا كَانَ جَوَابًا عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ التَّمَنِّي وَشَاعَ هَذَا الِاسْتِعْمَالُ حَتَّى صَارَ مِنْ مَعَانِي لَوْ وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ شَائِعٌ وَأَصْلُهُ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مُرَكَّبٌ وَهُوَ فِي الْآيَةِ مُرَشَّحٌ بِنَصْبِ الْجَوَابِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 98
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست