responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 9
وَهَذَا مِمَّا يُعَضِّدُ حَمْلَ «السُّفَهَاءُ» عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِمُ الْيَهُودُ لَقِيلَ عَنْ قِبْلَتِنَا إِذْ لَا يَرْضَوْنَ أَنْ يُضِيفُوا تِلْكَ الْقِبْلَةَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ فَسَّرَ «السُّفَهَاءُ» بِالْيَهُودِ وَنَسَبَ إِلَيْهِمُ اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَمَلَ الْإِضَافَةَ عَلَى أَدْنَى مُلَابَسَةٍ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ اسْتَقْبَلُوا تِلْكَ الْقِبْلَةَ مُدَّةَ سَنَةٍ وَأَشْهُرٍ فَصَارَتْ قِبْلَةً لَهُمْ.
وَضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: مَا وَلَّاهُمْ عَائِدٌ إِلَى مَعْلُومٍ مِنَ الْمَقَامِ غَيْرِ مَذْكُورِ اللَّفْظِ حِكَايَةً لِقَوْلِ السُّفَهَاءِ وَهُمْ يُرِيدُونَ بِالضَّمِيرِ أَوْ بِمُسَاوِيهِ فِي كَلَامِهِمْ عَوْدَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَقَوْلُهُ: الَّتِي كانُوا عَلَيْها أَيْ كَانُوا ملازمين لَهَا فعلى هُنَا لِلتَّمَكُّنِ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ شِدَّةُ الْمُلَازَمَةِ مِثْلُ وَقَوله: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: 5] ، وَفِيهِ زِيَادَةُ تَوْجِيهٍ لِلْإِنْكَارِ وَالِاسْتِغْرَابِ أَيْ كَيْفَ عَدَلُوا عَنْهَا بعد أَن لارموها وَلَمْ يَكُنِ اسْتِقْبَالُهُمْ إِيَّاهَا مُجَرَّدَ صُدْفَةٍ فَإِنَّهُمُ اسْتَقْبَلُوا الْكَعْبَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً قَبْلَ الْهِجْرَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْيَهُودَ يَسْتَقْبِلُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَلَيْسَ هَذَا الِاسْتِقْبَالُ مِنْ أَصْلِ دِينِهِمْ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ إِنَّمَا بُنِيَ بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَنَاهُ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَا تَجِدُ فِي أَسْفَارِ «التَّوْرَاةِ» الْخَمْسَةِ ذِكْرًا لِاسْتِقْبَالِ جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، وَلَكِنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ الَّذِي سَنَّ اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَفِي سِفْرِ الْمُلُوكِ الْأَوَّلِ أَنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا أَتَمَّ بِنَاءَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ جَمَعَ شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ وَجُمْهُورَهُمْ وَوَقَفَ أَمَامَ الْمَذْبَحِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَبَسَطَ يَدَيْهِ وَدَعَا اللَّهَ دُعَاءً جَاءَ فِيهِ: «إِذَا انْكَسَرَ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ أَمَامَ الْعَدُوِّ ثُمَّ رَجَعُوا وَاعْتَرَفُوا وَصَلَّوْا نَحْوَ هَذَا الْبَيْتِ فَأَرْجِعْهُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتَ لِآبَائِهِمْ وَإِذَا خَرَجَ الشَّعْبُ لِمُحَارَبَةِ الْعَدُوِّ وَصَلَّوْا إِلَى الرَّبِّ نَحْوَ الْمَدِينَةِ الَّتِي اخْتَرْتَهَا وَالْبَيْتِ الَّذِي بَنَيْتَهُ لِاسْمِكَ فَاسْمَعْ صَلَاتَهُمْ وَتَضَرُّعَهُمْ» إِلَخْ، وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَجَلَّى لِسُلَيْمَانَ وَقَالَ لَهُ «قَدْ سَمِعْتُ صَلَاتَكَ وَتَضَرُّعَكَ الَّذِي تَضَرَّعْتَ بِهِ أَمَامِي» ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ فِي دِينِ الْيَهُودِ وَقُصَارَاهُ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ التَّوَجُّهَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ هَيْئَةٌ فَاضِلَةٌ، فَلَعَلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْتَزَمُوهُ لَا سِيَّمَا بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ أَنَّ أَنْبِيَاءَهُمُ الْمَوْجُودِينَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ أَمَرُوهُمْ بِذَلِكَ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: كَانَ الْيَهُودُ يَظُنُّونَ أَنَّ مُوَافَقَةَ الرَّسُولِ لَهُمْ فِي الْقِبْلَةِ رُبَّمَا تَدْعُوهُ إِلَى أَنْ يَصِيرَ مُوَافِقًا لَهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَجَرَى كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ»

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 9
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست