responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 88
وَجَمَعَ الْآيَاتِ لِأَنَّ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ آيَاتٍ.
فَإِنْ أُرِيدَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى وُجُودِ الله تَعَالَى فقد كَانَتْ دَلَائِلَ وَاضِحَةً وَكَانَ رَدًّا عَلَى الدَّهْرِيِّينَ مِنَ الْعَرَبِ وَكَانَ ذِكْرُهُمْ بَعْدَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ [1] الْمُرَادُ بِهِمُ
الْمُشْرِكُونَ تَكْمِيلًا لِأَهْلِ النِّحَلِ فِي الْعَرَبِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً [الْبَقَرَة: 165] رُجُوعًا إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهَذَا الْوَجْهُ يَرْجِعُ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْعَالَمِ عَلَى الصَّانِعِ وَهُوَ دَلِيلٌ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ.
وَإِنْ أُرِيدَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَاتِهِ الدَّلَائِلِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَلْزِمَةِ لِوُجُودِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَاتِهِ الدَّلَائِلِ وَأَمْثَالِهَا عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عَقْلٍ بِخِلَافِ الِاحْتِجَاجِ بِهَا عَلَى الوحدانية، وَلِأَنَّهُ ذكره بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ، وَلِأَنَّ دُهْمَاءَ الْعَرَبِ كَانُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَا مِنَ الْمُعَطِّلِينَ الدَّهْرِيِّينَ. وَكِفَايَةُ هَذِهِ الدَّلَائِلِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَدَّعُونَ لِلْأَصْنَامِ قُدْرَةً عَلَى الْخَلْقِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النَّحْل: 17] .
وَإِنْ أُرِيدَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْآثَارِ لِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ عَلَى الْأُمَمِ الَّتِي تُثْبِتُ الِاشْتِرَاكَ لِلْآلِهَةِ فِي الْإِيجَادِ مِثْلِ مَجُوسِ الْفُرْسِ وَمُشْرِكِي الْيُونَانِ. فَوَجْهُ دَلَالَةِ هَاتِهِ الْآيَاتِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ أَنَّ هَذَا النِّظَامَ الْبَدِيعَ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَذَلِكَ التَّدْبِيرَ فِي تَكْوِينِهَا وَتَفَاعُلِهَا وَذَهَابِهَا وَعَوْدِهَا وَمَوَاقِيتِهَا كُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهَا صَانِعًا حَكِيمًا مُتَّصِفًا بِتَمَامِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَة وَالْحكمَة وَهِي الصِّفَات الَّتِي تَقْتَضِيهَا الْأُلْهَانِيَّةِ، وَلَا جَرَمَ أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ الْمَوْصُوفُ بِهَاتِهِ الصِّفَاتِ وَاحِدًا لِاعْتِرَافِ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ نَوَامِيسَ الْخَلْقِ وَتَسْيِيرَ الْعَالَمِ مِنْ فِعْلِ الله تَعَالَى، إِذا لَمْ يَدَّعُوا لِشُرَكَائِهِمُ الْخَلْقَ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النَّحْل: 17] ، وَذَكَرَ فِي سُورَةِ النَّمْلِ الِاسْتِدْلَالَ بِبَعْضِ مَا هُنَا عَلَى أَنْ لَا إِلَهَ مَعَ اللَّهِ، فَالْمَقْصُودُ التَّذْكِيرُ بِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ عَنْ شُرَكَائِهِمْ، وَأَمَّا طَرِيقَةُ الِاسْتِدْلَالِ الْعِلْمِيَّةُ فَهِيَ بِالْبُرْهَانِ الْمُلَقَّبِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ بِبُرْهَانِ التَّمَانُعِ وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الْأَنْبِيَاء: 22] فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ.
وَالْقَوْمُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ الرِّجَالِ وَيُطْلَقُ عَلَى قَبِيلَةِ الرَّجُلِ كَمَا قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ:
فَلَوْ أَن قومِي أنقطتني رِمَاحُهُمْ

[1] يُشِير إِلَى قَوْله تَعَالَى السَّابِق: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ الْآيَة.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 88
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست