responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 80
ذَاتِيٍّ فَإِنَّ مَا بِالذَّاتِ لَا يَخْتَلِفُ فَأَوْمَأَ إِلَى أَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَيْسَا ذَاتَيْنِ وَلَكِنَّهُمَا عَرَضَانِ خِلَافَ مُعْتَقَدِ الْأُمَمِ الْجَاهِلَةِ أَنَّ اللَّيْلَ جِسْمٌ أَسْوَدُ كَمَا صَوَّرَهُ الْمِصْرِيُّونَ الْقُدَمَاءُ عَلَى بَعْضِ الْهَيَاكِلِ وَكَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي اللَّيْلِ:
فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ ... وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بِكَلْكَلِ
وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الشَّمْسِ: وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها، وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها [الشَّمْس: 3- 4] .
وَقَوْلُهُ: وَالْفُلْكِ عَطْفٌ عَلَى خَلْقِ واخْتِلافِ فَهُوَ مَعْمُول لفي أَيْ وَفِي الْفُلْكِ، وَوَصْفُهَا بِالَّتِي تَجْرِي الْمَوْصُولِ لِتَعْلِيلِ الْعَطْفِ أَيْ أَنَّ عَطْفَهَا عَلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي كَوْنِهَا آيَةً مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تَجْرِي فِي الْبَحْرِ، وَفِي كَوْنِهَا نِعْمَةً مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا
تَجْرِي بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ، فَأَمَّا جَرْيُهَا فِي الْبَحْرِ فَهُوَ يَتَضَمَّنُ آيَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا آيَةُ خَلْقِ الْبَحْرِ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْفُلْكُ خَلْقًا عَجِيبًا عَظِيمًا إِذْ كَانَ مَاءً غَامِرًا لِأَكْثَرِ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ وَمَا فِيهِ مِنْ مَخْلُوقَاتٍ وَمَا رُكِّبَ فِي مَائِهِ مِنَ الْأَمْلَاحِ وَالْعَقَاقِيرِ الْكِيمْيَاوِيَّةِ لِيَكُونَ غَيْرَ مُتَعَفِّنٍ بَلْ بِالْعَكْسِ يُخْرِجُ لِلْهَوَاءِ أَجْزَاءً نَافِعَةً لِلْأَحْيَاءِ عَلَى الْأَرْضِ، وَالثَّانِيَةُ آيَةُ سَيْرِ السُّفُنِ فِيهِ وَهُوَ مَاءٌ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَعَذَّرَ الْمَشْيُ عَلَيْهِ فَجَرْيُ السُّفُنِ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ إِلْهَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْإِنْسَانَ لِلتَّفَطُّنِ لِهَذَا التَّسْخِيرِ الْعَجِيبِ الَّذِي اسْتَطَاعَ بِهِ أَنْ يَسْلُكَ الْبَحْرَ كَمَا يَمْشِي فِي الْأَرْضِ، وَصُنْعُ الْفُلْكِ مِنْ أَقْدَمِ مُخْتَرَعَاتِ الْبَشَرِ أَلْهَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَقْدَمِ عُصُورِ الْبَشَرِ.
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَخَّرَ لِلْفُلْكِ الرِّيَاحَ الدَّوْرِيَّةَ وَهِيَ رِيَاحٌ تَهُبُّ فِي الصَّبَاحِ إِلَى جِهَةٍ وَفِي الْمَسَاءِ إِلَى جِهَةٍ فِي السَّوَاحِلِ تنشأ عَن إحْيَاء أَشِعَّةِ الشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ الْهَوَاءُ الَّذِي فِي الْبَرِّ حَتَّى يَخِفَّ الْهَوَاءُ فَيَأْتِي هَوَاءٌ مِنْ جِهَةِ الْبَحْرِ لِيَخْلُفَ ذَلِكَ الْهَوَاءَ الْبَرِّيَّ الَّذِي تَصَاعَدَ فَتَحْدُثُ رِيحٌ رُخَاءٌ مِنْ جِهَةِ الْبَحْرِ وَيَقَعُ عَكْسُ ذَلِكَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَتَأْتِي رِيحٌ مِنْ جِهَةِ الْبَرِّ إِلَى الْبَحْرِ، وَهَذِهِ الرِّيحُ يَنْتَفِعُ بِهَا الصَّيَّادُونَ وَالتُّجَّارُ وَهِيَ تَكُونُ أَكْثَرَ انْتِظَامًا فِي مَوَاقِعَ مِنْهَا فِي مَوَاقِعَ أُخْرَى.
وَسَخَّرَ لِلْفُلْكِ رِيَاحًا مَوْسِمِيَّةً وَهِيَ تَهُبُّ إِلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَشْهُرٍ مِنَ السَّنَةِ وَإِلَى عَكْسِهَا فِي أَشْهُرٍ أُخْرَى تَحْدُثُ مِنَ اتِّجَاهِ حَرَارَةِ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ عَلَى الْأَمَاكِنِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ مَدَارِ السَّرَطَانِ وَمَدَارِ الْجَدْيِ، مِنَ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ عِنْدَ انْتِقَالِ الشَّمْسِ مِنْ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ إِلَى جِهَةِ مَدَارِ السَّرَطَانِ وَإِلَى جِهَةِ مَدَارِ الْجَدْيِ، فَتَحْدُثُ هَاتِهِ الرِّيحُ مَرَّتَيْنِ فِي السَّنَةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ فِي شطوط الْيمن وَحضر موت وَالْبَحْرِ الْهِنْدِيِّ وَتُسَمَّى الرِّيحَ التِّجَارِيَّةَ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 80
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست