responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 57
وَأُفِيدَ مَضْمُونُ الْجُمْلَةِ الَّذِي هُوَ حُصُولُ الصَّلَوَاتِ وَالرَّحْمَةِ وَالْهُدَى لِلصَّابِرِينَ بِطَرِيقَةِ التَّبْشِيرِ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ تَكْرِيمًا لِشَأْنِهِ، وَزِيَادَةً فِي تَعَلُّقِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ خَيْرَاتُهُمْ بِوَاسِطَتِهِ، فَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ لَطَائِفِ الْقُرْآنِ إِسْنَادُ الْبَلْوَى إِلَى اللَّهِ بِدُونِ وَاسِطَةِ الرَّسُولِ، وَإِسْنَادُ الْبِشَارَةِ بِالْخَيْرِ الْآتِي مِنْ قِبَلِ اللَّهِ إِلَى الرَّسُولِ.
وَالْكَلَامُ عَلَى الصَّبْرِ وَفَضَائِلِهِ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [الْبَقَرَة: 45] .
وَوَصْفُ الصَّابِرِينَ بِأَنَّهُمُ: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِلَخْ لِإِفَادَةِ أَنَّ صَبْرَهُمْ أَكْمَلُ الصَّبْرِ إِذْ هُوَ صَبْرٌ مُقْتَرِنٌ بِبَصِيرَةٍ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إِذْ يَعْلَمُونَ عَنْدَ الْمُصِيبَةِ أَنَّهُمْ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ كَيْفَ يَشَاءُ فَلَا يَجْزَعُونَ مِمَّا يَأْتِيهِمْ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ فَيُثِيبُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَالْمُرَادُ مِنَ الْقَوْلِ هُنَا الْقَوْلُ الْمُطَابِقُ لِلِاعْتِقَادِ إِذِ الْكَلَامُ إِنَّمَا وُضِعَ لِلصِّدْقِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ الْقَوْلُ مُعْتَبَرًا إِذَا كَانَ تَعْبِيرًا عَمَّا فِي الضَّمِيرِ فَلَيْسَ لِمَنْ قَالَ هَاتِهِ الْكَلِمَاتِ بِدُونِ اعْتِقَادٍ لَهَا فَضْلٌ وَإِنَّمَا هُوَ كَالَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ، وَقَدْ عَلَّمَهُمُ اللَّهُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الْجَامِعَةَ لِتَكُونَ شِعَارَهُمْ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ يَقْوَى بِالتَّصْرِيحِ لِأَنَّ اسْتِحْضَارَ النَّفْسِ لِلْمُدْرَكَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ ضَعِيفٌ يَحْتَاجُ إِلَى التَّقْوِيَةِ بِشَيْءٍ مِنَ الْحِسِّ، وَلِأَنَّ فِي تَصْرِيحِهِمْ بِذَلِكَ إِعْلَانًا لِهَذَا الِاعْتِقَادِ وَتَعْلِيمًا لَهُ لِلنَّاسِ. وَالْمُصِيبَةُ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ [النِّسَاء: 72] فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.
وَالتَّوْكِيدُ بِإِنَّ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّا لِلَّهِ لِأَنَّ الْمُقَامَ مَقَامُ اهْتِمَامٍ، وَلِأَنَّهُ يُنْزِلُ الْمُصَابَ فِيهِ مَنْزِلَةَ الْمُنْكِرِ كَوْنُهُ مِلْكًا لِلَّهِ تَعَالَى وَعَبْدًا لَهُ إِذْ تُنْسِيهِ الْمُصِيبَةُ ذَلِكَ وَيَحُولُ هَوْلُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُشْدِهِ، وَاللَّامُ فِيهِ لِلْمُلْكِ.
وَالْإِتْيَانُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُوَ ذَلِكَ الْمَوْصُوفُ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ السَّابِقَةِ عَلَى اسْمِ الْإِشَارَةِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي يَرِدُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مُتَرَتِّبٌ عَلَى تِلْكَ الْأَوْصَافِ مِثْلُ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: 5] وَهَذَا بَيَانٌ لِجَزَاءِ صَبْرِهِمْ.
وَالصَّلَوَاتُ هُنَا مَجَازٌ فِي التَّزْكِيَاتِ وَالْمَغْفِرَاتِ وَلِذَلِكَ عُطِفَتْ عَلَيْهَا الرَّحْمَةُ الَّتِي هِيَ
مِنْ مَعَانِي الصَّلَاةِ مَجَازًا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الْأَحْزَاب: 56] .
وَحَقِيقَةُ الصَّلَاةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّهَا أَقْوَالٌ تُنْبِئُ عَنْ مَحَبَّةِ الْخَيْرِ لِأَحَدٍ، وَلِذَلِكَ كَانَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 57
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست