responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 52
النَّاسِ، وَتَفْضِيلِهِمْ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى اسْتِقْبَالِ أَفْضَلِ بُقْعَةٍ، وَتَأْيِيدِهِمْ بِأَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وَأَمْرِهِمْ بِالِاسْتِخْفَافِ بِالظَّالِمِينَ وَأَنْ لَا يَخْشَوْهُمْ، وَتَبْشِيرِهِمْ بِأَنَّهُ أَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ وَهَدَاهُمْ، وَامْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ أَرْسَلَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ، وَهَدَاهُمْ إِلَى الِامْتِثَالِ لِلْأَحْكَامِ الْعَظِيمَةِ كَالشُّكْرِ وَالذِّكْرِ، فَإِنَّ الشُّكْرَ وَالذِّكْرَ بِهِمَا تَهْيِئَةُ النُّفُوسِ إِلَى عَظِيمِ الْأَعْمَالِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كُلِّهُ أَمَرَهُمْ هُنَا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ، وَنَبَّهَهُمْ إِلَى أَنَّهُمَا عَوْنٌ لِلنَّفْسِ عَلَى عَظِيمِ الْأَعْمَالِ، فَنَاسَبَ تَعْقِيبَهَا بِهَا، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا ذُكِرَ من قَوْله: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ مُشْعِرٌ بِأَنَّ أُنَاسًا مُتَصَدُّونَ لِشَغْبِهِمْ وَتَشْكِيكِهِمْ وَالْكَيْدِ لَهُمْ، فَأُمِرُوا بِالِاسْتِعَانَةِ عَلَيْهِمْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ. وَكُلُّهَا مُتَمَاسِكَةٌ مُتَنَاسِبَةُ الِانْتِقَالِ عَدَا آيَةِ: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: شاكِرٌ عَلِيمٌ [الْبَقَرَة: 158] فَسَيَأْتِي تَبْيِينُنَا لِمَوْقِعِهَا.
وَافْتُتِحَ الْكَلَامُ بِالنِّدَاءِ لِأَنَّ فِيهِ إِشْعَارًا بِخَبَرٍ مُهِمٍّ عَظِيمٍ، فَإِنَّ شَأْنَ الْأَخْبَارِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تَهُولُ الْمُخَاطَبَ أَنْ يُقَدَّمَ قبلهَا مَا يهيء النَّفْسَ لِقَبُولِهَا لِتَسْتَأْنِسَ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَفْجَأَهَا.
وَفِي افْتِتَاحِ هَذَا الْخِطَابِ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالصَّبْرِ إِيذَانٌ بِأَنَّهُ سَيُعْقَبُ بِالنَّدْبِ إِلَى عَمَلٍ عَظِيمٍ وَبَلْوًى شَدِيدَةٍ، وَذَلِكَ تَهْيِئَةٌ لِلْجِهَادِ، وَلَعَلَّهُ إِعْدَادٌ لِغَزْوَةِ بَدْرٍ الْكُبْرَى، فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْمَغَازِي كَانَ قُبَيْلَ زَمَنِ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إِذْ كَانَ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ فِي رَجَبٍ أَوْ شَعْبَانَ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِلْهِجْرَةِ وَكَانَتْ غَزْوَةُ بُوَاطَ وَالْعُشَيْرَةِ وَبَدْرٍ الْأُولَى فِي رَبِيعٍ وَجُمَادَى مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمَا قِتَالٌ، وَكَانَتْ بَدْرٌ الْكُبْرَى فِي رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَكَانَتْ بَعْدَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ بِنَحْوِ شَهْرَيْنِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [الْبَقَرَة: 143] أَنَّ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي أَنَّ نَاسًا قُتِلُوا قَبْلَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، أَنَّهُ تَوَهُّمٌ
مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ عَنِ الْبَرَاءِ، فَإِنَّ أَوَّلَ قَتْلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَعَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَهِيَ بَعْدَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ بِنَحْوِ شَهْرَيْنِ، وَالْأَصَحُّ مَا فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «لَمَّا وُجِّهَ النَّبِيءُ إِلَى الْكَعْبَةِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ» الْحَدِيثَ فَلَمْ يَقُلِ: (الَّذِينَ قُتِلُوا) . فَالْوَجْهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا تَهْيِئَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِلصَّبْرِ عَلَى شَدَائِدِ الْحَرْبِ، وَتَحْبِيبٌ لِلشَّهَادَةِ إِلَيْهِمْ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 52
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست