responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 503
وَأَعْظَمُ مَظَاهِرِ هَذَا الدِّفَاعِ هُوَ الْحُرُوبُ فَبِالْحَرْبِ الْجَائِرَةِ يَطْلُبُ الْمُحَارِبُ غَصْبَ مَنَافِعِ غَيْرِهِ، وَبِالْحَرْبِ الْعَادِلَةِ يَنْتَصِفُ الْمُحِقُّ مِنَ الْمُبْطِلِ، وَلِأَجْلِهَا تَتَأَلَّفُ الْعَصَبِيَّاتُ وَالدَّعَوَاتُ إِلَى الْحَقِّ، وَالْإِنْحَاءُ عَلَى الظَّالِمِينَ، وَهَزْمُ الْكَافِرِينَ.
ثُمَّ إِنَّ دِفَاعَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا يَصُدُّ الْمُفْسِدَ عَنْ مُحَاوَلَةِ الْفَسَادِ، وَنَفْسُ شُعُور الْمُفْسد بتأهب غَيره لدفاعه يصده عَنِ اقْتِحَامِ مَفَاسِدَ جَمَّةٍ.
وَمَعْنَى فَسَادِ الْأَرْضِ: إِمَّا فَسَادُ الْجَامِعَةِ الْبَشَرِيَّةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَعْلِيقُ الدِّفَاعِ بِالنَّاسِ، أَيْ لَفَسَدَ أَهْلُ الْأَرْضِ، وَإِمَّا فَسَادُ جَمِيعِ مَا يَقْبَلُ الْفَسَادَ فَيَكُونُ فِي الْآيَةِ احْتِبَاكٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَوْلَا دِفَاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ وَبَقِيَّةَ الْمَوْجُودَاتِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ أَيْ مَنْ عَلَى الْأَرْضِ وَلَفَسَدَ النَّاسُ.
وَالْآيَةُ مَسُوقَةٌ مَسَاقَ الِامْتِنَانِ، فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ لِأَنَّا لَا نُحِبُّ فَسَادَ الْأَرْضِ، إِذْ فِي فَسَادِهَا- بِمَعْنَى فَسَادِ مَا عَلَيْهَا- اخْتِلَالُ نِظَامِنَا وَذَهَابُ أَسْبَابِ سَعَادَتِنَا، وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ فَهُوَ اسْتِدْرَاكٌ مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ «لَوْلَا» مِنْ تَقْدِيرِ انْتِفَاءِ الدِّفَاعِ لِأَنَّ أَصْلَ لَوْلَا لَوْ مَعَ لَا النَّافِيَةِ، أَيْ لَوْ كَانَ انْتِفَاءُ الدِّفَاعِ مَوْجُودًا لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى تَرْكِيبِ (لَوْلَا) مِنْ (لَوْ) وَ (لَا) ، إِذْ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى قَوْلِهِ: لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ لِأَنَّ فَسَادَ الْأَرْضِ غَيْرُ وَاقِعٍ بَعْدَ فَرْضِ وُجُودِ الدِّفَاعِ، إِنْ قُلْنَا «لَوْلَا» حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِوُجُودٍ.
وَعَلَّقَ الْفَضْلَ بِالْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ لِأَنَّ هَذِهِ الْمِنَّةَ لَا تخْتَص.
[252]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 252]
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)
الْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ الْقِصَصُ الْمَاضِيَةُ وَمَا فِيهَا مِنَ الْعِبَرِ، وَلَكِنَّ الْحِكَمَ الْعَالِيَةَ فِي قَوْله: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [الْبَقَرَة: 251] ، وَقَدْ نَزَّلَهَا مَنْزِلَةَ الْمُشَاهِدِ لِوُضُوحِهَا وَبَيَانِهَا وَجُعِلَتْ آيَاتٍ لِأَنَّهَا دَلَائِلُ عَلَى عِظَمِ تَصَرُّفِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى سِعَةِ عِلْمِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ خِطَابٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْوِيهًا بِشَأْنِهِ وَتَثْبِيتًا لِقَلْبِهِ، وَتَعْرِيضًا بِالْمُنْكِرِينَ رِسَالَتَهُ. وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِإِنَّ لِلِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَجِيءَ بِقَوْلِهِ (مِنَ الْمُرْسَلِينَ) دُونَ أَنْ يَقُولَ: وَإِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ، لِلرَّدِّ عَلَى الْمُنْكِرِينَ بِتَذْكِيرِهِمْ أَنَّهُ مَا كَانَ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ، وَأَنَّهُ أَرْسَلَهُ كَمَا أَرْسَلَ مَنْ قَبْلَهُ، وَلَيْسَ فِي حَالِهِ مَا يَنْقُصُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 503
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست