responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 480
السَّكْتِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ مَجَازًا عَنِ الْإِنْذَارِ بِالْمَوْتِ، وَالْمَوْتُ حَقِيقَةٌ، أَيْ أَرَاهُمُ اللَّهُ مَهَالِكَ شَمُّوا مِنْهَا رَائِحَةَ الْمَوْتِ، ثُمَّ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَأَحْيَاهُمْ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَلَامًا حَقِيقِيًّا بِوَحْيِ اللَّهِ، لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْمَوْتُ مَوْتٌ مَجَازِيٌّ، وَهُوَ أَمْرٌ لِلتَّحْقِيرِ شَتْمًا لَهُمْ، وَرَمَاهُمْ بِالذُّلِّ وَالصَّغَارِ، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ، وَثَبَّتَ فِيهِمْ رُوحَ الشَّجَاعَةِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا مَوْعِظَةُ الْمُسْلِمِينَ بِتَرْكِ الْجُبْنِ، وَأَنَّ الْخَوْفَ مِنَ الْمَوْتِ لَا يَدْفَعُ الْمَوْتَ، فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ضُرِبَ بِهِمْ هَذَا الْمَثَلُ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ خَائِفِينَ مِنَ الْمَوْتِ، فَلَمْ يُغْنِ خَوْفُهُمْ عَنْهُمْ شَيْئًا، وَأَرَاهُمُ اللَّهُ الْمَوْتَ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ، لِيَصِيرَ خُلُقُ الشَّجَاعَةِ لَهُمْ حَاصِلًا بِإِدْرَاكِ الْحِسِّ. وَمَحَلُّ الْعِبْرَةِ مِنَ الْقِصَّةِ هُوَ أَنَّهُمْ ذَاقُوا الْمَوْتَ الَّذِي فَرُّوا مِنْهُ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ الْفِرَارَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا، وَأَنَّهُمْ ذَاقُوا الْحَيَاةَ بَعْدَ الْمَوْتِ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ بِيَدِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ [الْأَحْزَاب: 16] .
وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا بَثُّ خُلُقِ الِاعْتِمَادِ عَلَى اللَّهِ فِي نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمْ، وَأَنَّهُمْ إِنْ شَكَرُوا اللَّهَ عَلَى مَا آتَاهُمْ مِنَ النِّعَمِ، زَادَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَيَسَّرَ لَهُمْ مَا هُوَ صَعْبٌ.
وَجُمْلَةُ: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَةَ هِيَ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّ مَا قَبْلَهَا تَمْهِيدٌ لَهَا كَمَا عَلِمْتَ، وَقَدْ جُعِلَتْ فِي النَّظْمِ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ عَطْفًا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، فَيَكُونُ لَهَا حُكْمُ جُمْلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا، وَلَوْلَا طُولُ الْفَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمْلَةِ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [الْبَقَرَة: 216] ، لَقُلْنَا: إِنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّ اتِّصَالَ الْغَرَضَيْنِ يُلْحِقُهَا بِهَا بِدُونِ عَطْفٍ.
وَجُمْلَةُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ حَثٌّ عَلَى الْقِتَالِ وَتَحْذِيرٌ مِنْ تَرْكِهِ بِتَذْكِيرِهِمْ بِإِحَاطَةِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ: ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا. وَقُدِّمَ وَصْفُ سَمِيعٌ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ عَلِيمٌ، اهْتِمَامًا بِهِ هُنَا لِأَنَّ مُعْظَمَ أَحْوَالِ الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنَ الْأُمُورِ الْمَسْمُوعَةِ، مِثْلَ جَلَبَةِ الْجَيْشِ وَقَعْقَعَةِ السِّلَاحِ وَصَهِيلِ الْخَيْلِ. ثُمَّ ذُكِرَ وَصْفُ عَلِيمٌ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْعِلْمَ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، وَفِيهَا مَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ مِثْلُ خُلُقِ الْخَوْفِ، وَتَسْوِيلِ النَّفْسِ الْقُعُودَ عَنِ الْقِتَالِ، وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 480
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست