responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 472
كَانُوا عَلَيْهِ، وَيَكُونُ الْحَوْلُ تَكْمِيلًا لِمُدَّةِ السُّكْنَى لَا للعدة، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ أَصْرَحُ مَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ الْمَقْبُولُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ الْعَرَبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمُ الْمُتَّبَعَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا تَمْكُثُ فِي شَرِّ بَيْتٍ لَهَا حَوْلًا، مُحِدَّةً لَابِسَةً شَرَّ ثِيَابِهَا مُتَجَنِّبَةً الزِّينَةَ وَالطِّيبَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَاشِيَةِ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [الْبَقَرَة: 234] عَنِ «الْمُوَطَّأِ» ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَبْطَلَ ذَلِكَ الْغُلُوَّ فِي سُوءِ الْحَالَةِ، وَشَرَعَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَالْإِحْدَادَ، فَلَمَّا ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، فِي مَبْدَأِ أَمْرِ تَغْيِيرِ الْعَادَةِ، أَمَرَ الْأَزْوَاجَ بِالْوَصِيَّةِ لِأَزْوَاجِهِمْ بِسُكْنَى الْحَوَلِ بِمَنْزِلِ الزَّوْجِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ، إِنْ شَاءَتِ السُّكْنَى بِمَنْزِلِ الزَّوْجِ، فَإِنْ خَرَجَتْ وَأَبَتِ السُّكْنَى هُنَالِكَ لَمْ يُنْفَقْ عَلَيْهَا، فَصَارَ الْخِيَارُ لِلْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ حَقًّا عَلَيْهَا لَا تَسْتَطِيعُ تَرْكَهُ، ثُمَّ نُسِخَ الْإِنْفَاقُ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمِيرَاثِ، فَاللَّهُ لَمَّا أَرَادَ نَسْخَ عِدَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَرَاعَى لُطْفَهُ بِالنَّاسِ فِي قَطْعِهِمْ عَنْ مُعْتَادِهِمْ، أَقَرَّ الِاعْتِدَادَ بِالْحَوْلِ، وَأَقَرَّ مَا مَعَهُ مِنَ الْمُكْثِ فِي الْبَيْتِ مُدَّةَ الْعِدَّةِ، لَكِنَّهُ أَوْقَفَهُ عَلَى وَصِيَّةِ الزَّوْجِ عِنْدَ وَفَاته لزوجه بِالسُّكْنَى، وَعَلَى قَبُولِ الزَّوْجَةِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُوصِ لَهَا أَوْ لَمْ تَقْبَلْ، فَلَيْسَ عَلَيْهَا السُّكْنَى، وَلَهَا الْخُرُوجُ، وَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَنَسَخَ وَصِيَّةً السُّكْنَى حَوْلًا بِالْمَوَارِيثِ، وَبَقِيَ لَهَا السُّكْنَى فِي مَحَلِّ زَوَّجَهَا مُدَّةَ الْعِدَّةِ مَشْرُوعًا بِحَدِيثِ الْفُرَيْعَةِ.
وَقَوْلُهُ: وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ قَرَأَهُ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ: بِرَفْعِ (وَصِيَّةٍ) عَلَى الِابْتِدَاءِ، مُحَوَّلًا عَنِ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ، وَأَصْلُهُ وَصِيَّةً بِالنَّصْبِ بَدَلًا مِنْ فِعْلِهِ، فَحُوِّلَ إِلَى الرَّفْعِ لِقَصْدِ الدَّوَامِ كَقَوْلِهِمْ: حمد وشكر، وفَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يُوسُف: 18] كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْحَمْدُ لِلَّهِ [الْفَاتِحَة: 18] وَقَوْلُهُ: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [الْبَقَرَة: 229] وَلَمَّا كَانَ الْمَصْدَرُ فِي الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ، فِي مِثْلِ هَذَا، دَالًّا عَلَى النَّوْعِيَّةِ، جَازَ عِنْدَ وُقُوعِهِ مُبْتَدَأً أَنْ يَبْقَى مُنَكَّرًا، إِذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ فَرْدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ حَتَّى يُنَافِيَ الِابْتِدَاءَ، بَلِ الْمَقْصُودُ النَّوْعُ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: لِأَزْواجِهِمْ خَبَرٌ، وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ: وَصِيَّةً بِالنَّصْبِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ:
لِأَزْواجِهِمْ مُتَعَلِّقًا بِهِ عَلَى أَصْلِ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْآتِي بَدَلًا مِنْ فِعْلِهِ لِإِفَادَةِ الْأَمْرِ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَصِيَّةُ الْمُتَوَفِّينَ، فَتَكُونُ مِنَ الْوَصِيَّةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا مَنْ تَحْضُرُهُ الْوَفَاةُ مِثْلَ الْوَصِيَّةِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [الْبَقَرَة: 180] فَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ إِذَا لَمْ يُوصِ الْمُتَوَفَّى
لِزَوْجِهِ بِالسُّكْنَى

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 472
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست