responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 466
هَذَا الدَّاءِ بِدَوَاءَيْنِ، أَحَدُهُمَا دُنْيَوِيٌّ عَقْلِيٌّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ، الْمُذَكِّرُ بِأَنَّ الْعَفْوَ يُقَرِّبُ إِلَيْكَ الْبَعِيدَ، وَيُصَيِّرُ الْعَدُوَّ صَدِيقًا وَإِنَّكَ إِنْ عَفَوْتَ فَيُوشِكُ أَنْ تَقْتَرِفَ ذَنْبًا فَيُعْفَى عَنْكَ، إِذَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْفَضْلَ بَيْنَهُمْ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَصْبحُوا لَا يتنازلون عَنِ الْحَقِّ.
الدَّوَاءُ الثَّانِي أُخْرَوِيٌّ رُوحَانِيٌّ: وَهُوَ الصَّلَاةُ الَّتِي وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى بِأَنَّهَا تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَلَمَّا كَانَتْ مُعِينَةً عَلَى التَّقْوَى وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، حَثَّ اللَّهُ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا.
وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: لَمَّا طَالَ تَعَاقُبُ الْآيَاتِ الْمُبَيِّنَةِ تَشْرِيعَاتٍ تَغْلُبُ فِيهَا الْحُظُوظُ الدُّنْيَوِيَّةُ لِلْمُكَلَّفِينَ، عُقِبَّتْ تِلْكَ التَّشْرِيعَاتُ بِتَشْرِيعٍ تَغْلِبُ فِيهِ الْحُظُوظُ الْأُخْرَوِيَّةُ، لِكَيْ لَا يَشْتَغِلَ النَّاسُ بِدِرَاسَةِ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ مِنَ التَّشْرِيعِ عَنْ دِرَاسَةِ الصِّنْفِ الْآخَرِ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: «أُمِرَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا فِي تَضَاعِيفِ أَحْكَامِ الْأَوْلَادِ وَالْأَزْوَاجِ، لِئَلَّا يُلْهِيَهُمُ الِاشْتِغَالُ بِشَأْنِهِمْ عَنْهَا» .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «لَمَّا ذَكَرَ حُقُوقَ النَّاسِ دَلَّهُمْ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ» وَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ فِي الْعِنَايَةِ بِالصَّلَوَاتِ أَدَاءَ حَقِّ الشُّكْرِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا وَجَّهَ إِلَيْنَا مِنْ عِنَايَتِهِ بِأُمُورِنَا الَّتِي بِهَا قِوَامُ نِظَامِنَا وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْآيَةِ كَما عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [الْبَقَرَة: 239] أَيْ مِنْ قَوَانِينِ الْمُعَامَلَاتِ النِّظَامِيَّةِ.
وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ تَكُونُ جُمْلَةُ حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ مُعْتَرِضَةً وَمَوْقِعُهَا وَمَعْنَاهَا مِثْلُ مَوْقِعِ قَوْلِهِ: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [الْبَقَرَة: 45] بَيْنَ جُمْلَةِ يَا
بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي
[الْبَقَرَة: 40] . وَبَيْنَ جُمْلَةِ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ [الْبَقَرَة: 122] وَكَمَوْقِعِ جُمْلَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الْبَقَرَة:
153] بَيْنَ جُمْلَةِ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي [الْبَقَرَة: 150] الْآيَةَ وَبَيْنَ جُمْلَةِ: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ [الْبَقَرَة: 154] الْآيَةَ.
وحافِظُوا صِيغَةُ مُفَاعَلَةٍ اسْتُعْمِلَتْ هُنَا لِلْمُبَالَغَةِ عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهَا، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا هِيَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى أَوْقَاتِهَا مِنْ أَنْ تُؤَخَّرَ عَنْهَا وَالْمُحَافَظَةُ تُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِهَا حَقٌّ عَظِيمٌ يُخْشَى التَّفْرِيطُ فِيهِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 466
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست