responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 464
عُقْدَةُ النِّكاحِ أَنَّ بِيَدِهِ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِالْإِبْقَاءِ، وَالْفَسْخِ بِالطَّلَاقِ، وَمَعْنَى عَفْوِهِ: تَكْميِلُهُ الصَّدَاقَ، أَيْ إِعْطَاؤُهُ كَامِلًا.
وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِعْلَ الْمُطَلِّقِ حِينَئِذٍ لَا يُسَمَّى عَفْوًا بَلْ تَكْمِيلًا وَسَمَاحَةً لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَدْفَعَ الصَّدَاقَ كَامِلًا، قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «وَتَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَقِّ عَفْوًا فِيهِ نَظَرٌ» إِلَّا أَنْ يُقَالَ: كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسُوقَ إِلَيْهَا الْمَهْرَ عِنْدَ التَّزَوُّجِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا اسْتَحَقَّ أَنْ يُطَالِبَهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ، فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ فَقَدْ عَفَا، أَوْ سَمَّاهُ عَفْوًا عَلَى طَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ.
الثَّانِي أَنَّ دَفْعَ الْمُطَلِّقِ الْمَهْرَ كَامِلًا لِلْمُطَلَّقَةِ إِحْسَانٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَشْرِيعٍ مَخْصُوصٍ، بِخِلَافِ عَفْوِ الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيِّهَا، فَقَدْ يَظُنُّ أَحَدٌ أَنَّ الْمَهْرَ لَمَّا كَانَ رُكْنًا مِنَ الْعَقْدِ لَا يَصِحُّ إِسْقَاطُ شَيْءٍ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى تَذْيِيلٌ أَيِ الْعَفْوُ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَلِذَلِكَ حَذَفَ الْمَفْعُولَ، وَالْخِطَابُ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَجِيءَ بِجَمْعِ الْمُذَكَّرِ لِلتَّغْلِيبِ، وَلَيْسَ خِطَابًا لِلْمُطَلِّقِينَ، وَإِلَّا لَمَا شَمِلَ عَفْوَ النِّسَاءِ مَعَ أَنَّهُ كُلَّهُ مَرْغُوبٌ فِيهِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنِ اسْتَظْهَرَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْمُطَلِّقُ، لِأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: وَأَنْ تَعْفُوا وَهُوَ
ظَاهِرٌ فِي الْمُذَكَّرِ، وَقَدْ غَفَلَ عَنْ مَوَاقِعِ التَّذْيِيلِ فِي آيِ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النِّسَاء: 128] .
وَمَعْنَى كَوْنِ الْعَفْوِ أَقْرَبَ لِلتَّقْوَى: أَنَّ الْعَفْوَ أَقْرَبُ إِلَى صِفَةِ التَّقْوَى مِنَ التَّمَسُّكِ بِالْحَقِّ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْحَقِّ لَا يُنَافِي التَّقْوَى لَكِنَّهُ يُؤْذِنُ بِتَصَلُّبِ صَاحِبِهِ وَشِدَّتِهِ، وَالْعَفْوُ يُؤْذِنُ بِسَمَاحَةِ صَاحِبِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَالْقَلْبُ الْمَطْبُوعُ عَلَى السَّمَاحَةِ وَالرَّحْمَةِ أَقْرَبُ إِلَى التَّقْوَى مِنَ الْقَلْبِ الصُّلْبِ الشَّدِيدِ، لِأَنَّ التَّقْوَى تَقْرُبُ بِمِقْدَارِ قُوَّةِ الْوَازِعِ، وَالْوَازِعُ شَرْعِيٌّ وَطَبِيعِيٌّ، وَفِي الْقَلْبِ الْمَفْطُورِ عَلَى الرَّأْفَةِ وَالسَّمَاحَةِ لِينٌ يَزَعُهُ عَنِ الْمَظَالِمِ وَالْقَسَاوَةِ، فَتَكُونُ التَّقْوَى أَقْرَبَ إِلَيْهِ، لِكَثْرَةِ أَسْبَابِهَا فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ تَذْيِيلٌ ثَانٍ، مَعْطُوفٌ عَلَى التَّذْيِيلِ الَّذِي قَبْلَهُ، لِزِيَادَةِ التَّرْغِيبِ فِي الْعَفْوِ بِمَا فِيهِ مِنَ التَّفَضُّلِ الدُّنْيَوِيِّ، وَفِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ حُبُّ الْفَضْلِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 464
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست