responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 46
وَالضَّمِيرُ فِي وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ رَاجِعٌ إِلَى مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ حُكْمُ التَّحْوِيلِ فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمَقَامِ، فَالضَّمِيرُ هُنَا كَالضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ [الْبَقَرَة: 146] .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ عَمَّا تَعْمَلُونَ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ عَلَى الْخِطَابِ، وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو بِيَاءِ الْغَيْبَة.
وَقَوله: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: فَوَلُّوا الدَّالِّ عَلَى طَلَبِ الْفِعْلِ وَامْتِثَالِهِ، أَيْ شَرَعْتُ لَكُمْ ذَلِكَ لِنَدْحَضَ حُجَّةَ الْأُمَمِ عَلَيْكُمْ، وَشَأْنُ تَعْلِيلِ صِيَغِ الطَّلَبِ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيلُ لِلطَّلَبِ بِاعْتِبَارِ الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ. فَإِنَّ مَدْلُولَ صِيغَةِ الطَّلَبِ هُوَ إِيجَادُ الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ لَا الْإِعْلَامُ بِكَوْنِ الطَّالِبِ طَالَبًا وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ الِامْتِثَالُ لِلْآمِرِ فَيُكْتَفَى بِحُصُولِ سَمَاعِ الطَّلَبِ لَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَقْصُودًا.
وَالتَّعْرِيفُ فِي (النَّاسِ) لِلِاسْتِغْرَاقِ يَشْمَلُ مُشْرِكِي مَكَّةَ فَإِنَّ مِنْ شُبْهَتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا لَا نَتَّبِعُ هَذَا الدِّينَ إِذْ لَيْسَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ لِأَنَّهُ اسْتَقْبَلَ قِبْلَةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْحُجَّةُ أَنْ يَقُولُوا إِنَّ مُحَمَّدًا اقْتَدَى بِنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَكَيْفَ يَدْعُونَا إِلَى اتِّبَاعِهِ. وَلِجَمِيعِ النَّاسِ مِمَّنْ عَدَاكُمْ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ، أَيْ لِيَكُونَ هَذَا الدِّينُ مُخَالِفًا فِي الِاسْتِقْبَالِ لِكُلِّ دِينٍ سَبَقَهُ فَلَا يَدَّعِي أَهْلُ دِينٍ مِنَ الْأَدْيَانِ أَنَّ الْإِسْلَامَ مُقْتَبِسٌ مِنْهُ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ ظُهُورَ الِاسْتِقْبَالِ يَكُونُ فِي أَمْرٍ مُشَاهَدٍ لِكُلِّ أَحَدٍ لِأَنَّ إِدْرَاكَ الْمُخَالَفَةِ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْكَمَالَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ الَّتِي فَضُلَ بِهَا الْإِسْلَامُ غَيْرَهُ لَا يُدْرِكُهُ كُلُّ أَحَدٍ بَلْ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، وَعَلَى هَذَا يكون قَوْله: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ نَاظِرًا إِلَى قَوْلِهِ: وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ [الْبَقَرَة: 144] ، وَقَوْلِهِ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ [الْبَقَرَة: 146] .
وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى حُجَّةِ النَّاسِ مَعَانٍ أُخَرُ أُرَاهَا بَعِيدَةً.
وَالْحُجَّةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا يُقْصَدُ بِهِ إِثْبَاتُ الْمُخَالِفِ، بِحَيْثُ لَا يَجِدُ مِنْهُ تَفَصِّيًا، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلَّذِي غَلَبَ مُخَالِفَهُ بِحُجَّتِهِ قَدْ حَجَّهُ، وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ فَهُوَ إِتْيَانُ الْمُحْتَجِّ بِمَا يَظُنُّهُ حُجَّةً وَلَوْ مغالطة يُقَال احْتَجَّ وَيُقَال حَاجَّ إِذَا أَتَى بِمَا يَظُنُّهُ حُجَّةً قَالَ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ [الْبَقَرَة: 258] ، فَالْحُجَّةُ لَا تُطْلَقُ حَقِيقَةً إِلَّا عَلَى الْبُرْهَانِ وَالدَّلِيلِ النَّاهِضِ الْمُبَكِّتِ لِلْمُخَالِفِ، وَأَمَّا إِطْلَاقُهَا عَلَى الشُّبْهَةِ فَمَجَازٌ لِأَنَّهَا تُورَدُ فِي صُورَةِ الْحُجَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: حُجَّتُهُمْ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 46
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست