responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 451
وَجَعَلَ الطِّيبِيُّ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الْمَائِدَة: 116] . فَالْمَعْنَى التَّعْرِيضِيُّ فِي مِثْلِ هَذَا حَاصِلٌ مِنَ الْمُلَازَمَةِ، وَكَقَوْلِ الْقَائِلِ «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ» فِي حَضْرَةِ مَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ، فَالْمَعْنَى التَّعْرِيضِيُّ حَاصِلٌ مِنْ عِلْمِ النَّاسِ بِمُمَاثَلَةِ حَالِ الشَّخْصِ الْمَقْصُودِ لِلْحَالَةِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا مَعْنَى الْكَلَامِ، وَلَمَّا كَانَتِ الْمُمَاثَلَةُ شَبِيهَةً بِالْمُلَازَمَةِ- لِأَنَّ حُضُورَ الْمُمَاثِلِ فِي الذِّهْنِ يُقَارِنُ حُضُورَ مَثِيلِهِ- صَحَّ أَنْ نَقُولَ إِنَّ الْمَعْنَى التَّعْرِيضِيَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُرَكَّبَاتِ شَبِيهٌ بِالْمَعْنَى الْكِنَائِيِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: الْمَعْنَى التَّعْرِيضِيُّ مِنْ قَبِيلِ الْكِنَايَةِ بِالْمُرَكَّبِ فَخُصَّ بِاسْمِ التَّعْرِيضِ كَمَا أَنَّ الْمَعْنَى الْكِنَائِيَّ مِنْ قَبِيلِ الْكِنَايَةِ بِاللَّفْظِ الْمُفْرَدِ، وَعَلَى هَذَا فَالتَّعْرِيضُ مِنْ مُسْتَتْبَعَاتِ التَّرَاكِيبِ، وَهَذَا هُوَ الْمُلَاقِي لِمَا دَرَجَ عَلَيْهِ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَالتَّعْرِيضُ عِنْدَهُ مُغَايِرٌ لِلْكِنَايَةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَإِنْ كَانَ شَبِيهًا بِهَا، وَلِذَلِكَ احْتَاجَ إِلَى الْإِشَارَةِ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، فَالنِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ التَّبَايُنُ. وَأَمَّا السَّكَّاكِيُّ فَقَدْ جَعَلَ بَعْضَ التَّعْرِيضِ مِنَ الْكِنَايَةِ وَهُوَ الْأَصْوَبُ، فَصَارَتِ النِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ الْوَجْهِيَّ، وَقَدْ حَمَلَ الطِّيبِيُّ وَالتَّفْتَازَانِيُّ كَلَامَ «الْكَشَّافِ» عَلَى هَذَا، وَلَا إِخَالُهُ يَتَحَمَّلُهُ.
وَإِذْ قَدْ تَبَيَّنَ لَكَ مَعْنَى التَّعْرِيضِ، وَعَلِمْتَ حَدَّ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّرِيحِ فَأَمْثِلَةُ التَّعْرِيضِ وَالتَّصْرِيحِ لَا تَخْفَى، وَلَكِنْ فِيمَا أُثِرَ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ إِشْكَالٌ لَا يَنْبَغِي الْإِغْضَاءُ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ.
إِنَّ الْمُعَرِّضَ بِالْخِطْبَةِ تَعْرِيضُهُ قَدْ يُرِيدُهُ لِنَفْسِهِ وَقَدْ يُرِيدُهُ لِغَيْرِهِ بِوَسَاطَتِهِ، وَبَيْنَ الْحَالَتَيْنِ فَرْقٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْمُتَشَابِهِ مِنَ التَّعْرِيضِ، فَقَدْ
رُوِيَ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ ابْنَةِ قَيْسٍ، وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِ زَوْجِهَا عَمْرِو بْنِ حَفْصٍ آخِرَ الثَّلَاثِ «كُونِي عِنْدَ أُمِّ شَرِيكٍ وَلَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ»
أَيْ لَا تَسْتَبِدِّي بِالتَّزَوُّجِ قَبْلَ اسْتِئْذَانِي
وَفِي رِوَايَةٍ «فَإِذا حللت فآذنيين»
وَبَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا خَطَبَهَا لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَهَذَا قَوْلٌ لَا خِطْبَةَ فِيهِ وَإِرَادَةُ الْمَشُورَةِ فِيهِ وَاضِحَةٌ.
وَوَقَعَ فِي «الْمُوَطَّأِ» : أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ
زَوْجِهَا: «إِنَّكِ عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ» .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 451
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست